عدن والجنوب يعيشان مرحلة من أخطر مراحل تاريخهما الحديث، حيث تختلط التحديات المعيشية بالمعضلات السياسية في مشهد يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت. المواطن العادي، الذي يكافح لتوفير لقمة العيش والحفاظ على كرامته، يقف وحيدًا أمام هذه الأزمات، بينما تنشغل النخب السياسية بصراعات المصالح والنفوذ.

منذ سنوات، شهد الجنوب تحولات عميقة أفرزتها الحروب والأحداث السياسية المتلاحقة. صعدت قوى جديدة إلى المشهد، مستغلة حالة الفوضى، بينما تراجعت أخرى كانت تتمتع بامتيازات خاصة. لكن المقلق أن البعض من هذه القوى، ممن فقدوا نفوذهم، لم يتوقفوا عند حد الانزواء أو البحث عن دور إيجابي جديد، بل تحولوا إلى أدوات لنشر البلبلة وإذكاء الانقسامات.

هؤلاء لا يقدمون حلولًا عملية لتحسين الأوضاع أو للخروج من المأزق الراهن. على العكس، يحملون في أيديهم ما يمكن تسميته "محلول ضخ الانتكاسات"، عبر تعزيز الفوضى وبث الفرقة، دون إدراك لتبعات أفعالهم. فلا هم ساهموا في تغيير أنفسهم، ولا سمحوا للآخرين بالتحرك بحرية نحو الإصلاح.

المشكلة لا تقتصر على القيادات والزعامات السياسية فحسب. الأخطر هو ما يحدث بين أفراد المجتمع أنفسهم، حيث تسود الأحاديث العقيمة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، والتي تُغذي الخلافات بدلًا من معالجتها. هناك انقسام واضح في الرؤى والمواقف، يتم استغلاله من قبل أطراف تسعى للحفاظ على مكاسبها الشخصية على حساب استقرار المجتمع.

إن الفوضى التي تعصف بالمشهد السياسي والإعلامي هي نتيجة مباشرة لغياب رؤية واضحة وافتقار إلى إرادة حقيقية للتغيير. في الوقت الذي يحتاج فيه الجنوب إلى مشروع وطني شامل يعيد بناء مؤسساته ويعزز ثقافة العدالة والمساواة، نجد أن بعض الأطراف لا تزال تسير عكس هذا الاتجاه، ما يؤدي إلى مزيد من الانقسام والانهيار.

الخروج من هذا النفق يتطلب إرادة جماعية صادقة تضع مصلحة الناس فوق كل اعتبار. الجنوب بحاجة إلى حلول جذرية وشاملة، تتطلب تجاوز المصالح الضيقة والانفتاح على الحوار الوطني البناء. المطلوب اليوم ليس فقط إصلاح القيادات، بل أيضًا تعزيز وعي المجتمع بأهمية الوحدة والعمل الجماعي.

عدن والجنوب أمام مفترق طرق تاريخي. لا يمكن تجاوز التحديات الحالية إلا بإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع، وتوحيد الصفوف حول رؤية مستقبلية واضحة. المستقبل لا يُبنى على الفوضى والانقسامات، بل على أساس متين من العدالة والتنمية والاستقرار. الوقت لا يزال في صالح الجنوب، إذا ما تضافرت الجهود ورُفعت مصلحة الشعب فوق كل المصالح الشخصية.