في كل أمة تُصاغ الحكايات لتروي مساراتها، وبينما يتعاقب الحكام والقادة، يبقى الوعي هو النهر الذي يروي جذور الشعوب ويحميها من التيه. الوعي ليس مجرد معرفة، بل هو إدراك عميق للواقع، وقدرة على رؤية ما وراء العناوين العريضة، وقراءة تفاصيل الحياة التي تشكل حاضرنا وتصوغ مستقبلنا.

اليوم، ونحن نقف عند مفترق طرق حاسم، تتجلى أمامنا مسؤولية الوعي كحكاية تُكتب بدماء الشهداء ومعاناة الشعب وصبر الأجيال. الوعي هنا ليس رفاهية ندّخرها للمثقفين أو نخبة المجتمع، بل هو واجب وطني يتحمله الجميع المواطن، المثقف، والسياسي.
  • وعي المواطن
إن المواطن هو اللبنة الأولى في بناء أي دولة، وحين يدرك المواطن حقوقه وواجباته يصبح هو المدافع الأول عن قضيته، والسند الحقيقي لوطنه. الوعي الشعبي ليس مجرد احتجاجات في الشوارع، بل هو إدراك لما نريد أن نبنيه وما نرفض أن نخسره. المواطن الواعي يرفض أن يكون أداة في يد مصالح ضيقة، ويدرك أن صوته أقوى من أي سلاح إذا استُخدم في الاتجاه الصحيح.
  • وعي المثقف
المثقف هو القلم الذي يرسم خارطة الوعي، والصوت الذي يُحدث الفرق في لحظات الحيرة. لكنه ليس معزولًا في برجه العاجي؛ دوره يتجاوز التحليل والتنظير إلى أن يكون جسرًا بين الشعب والسياسة. المثقف الواعي لا يبيع قلمه بثمن، ولا يخشى مواجهة الحقائق مهما كانت مؤلمة. إن رسالته تكمن في إضاءة العتمة، وتحريك العقول نحو تفكير نقدي يرفض الخضوع ويسعى للتغيير الإيجابي.
  • وعي السياسي
أما السياسي، فهو الذي يحمل مسؤولية ترجمة الوعي الشعبي إلى قرارات وأفعال. لكن السياسي الواعي هو الذي يدرك أن القوة ليست في المناصب، بل في قدرة هذه المناصب على خدمة الشعب وتحقيق تطلعاته. السياسة ليست لعبة مكاسب آنية، بل أمانة تاريخية يُحاسب عليها كل مسؤول أمام الله، وأمام ضميره، وأمام الأجيال القادمة.
  • حكايتنا في الجنوب
في الجنوب، تتشابك خيوط الحكاية بين الماضي المثقل بالآلام، والحاضر المليء بالتحديات، والمستقبل الذي نحلم به جميعًا. قضيتنا ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي معركة هوية ووجود، معركة يُصاغ نصرها عبر وعي جمعي يدرك قيمة الأرض والإنسان.

إننا بحاجة إلى مشروع وعي متكامل يتجاوز الانقسامات، ويؤسس لفكر جامع يضع الجنوب في مكانه الطبيعي كدولة مدنية حديثة. هذا المشروع يبدأ من التعليم الذي يغرس قيم الحرية والمواطنة، ويمر عبر الإعلام الذي ينقل الحقيقة لا الوهم، ولا ينتهي عند الحوار الذي يرفض التخوين ويؤمن بأن الاختلاف قوة لا ضعف.
  • رسالة إلى الجميع
يا مواطن الجنوب، يا مثقفه، ويا سياسييه: حكايتنا لم تُكتب بعد، وما بين الفصول التي مضت وما ننتظره، يبقى القلم في يدنا جميعًا. فلنكتبها بوعي نابع من إيماننا بحقنا، وبرؤية تستشرف مستقبلنا، وبقوة تدرك أن الجنوب لن ينهض إلا بأبنائه، وعبر مشروع وطني جامع يضع الجميع تحت راية واحدة.

هي حكاية وعي لا تنطفئ، حكاية كفاح لا يتوقف، وحكاية شعب لن يُسكت صوته إلا حين تُرفع راية العدالة والكرامة في سماء الجنوب.