> "الأيام" وكالات:

​إزاء الترتيبات والتفاهمات الداخلية والإقليمية التي يجريها النظام الحوثي، يمكن التشكيك في مستوى تأثير هجمات إسرائيل على ميناء الحديدة وأهداف أخرى، وعلى قدرة النظام على مواصلة إدارة الحرب أو ردعه عن إطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل. الأهم من ذلك، أن مجال عمل إسرائيل في اليمن محدود رغم الصور المؤثرة التي تأتي من المواقع التي تضررت وانقطاع الكهرباء الذي يرافقها.

ليس هذا بسبب غياب القدرة العسكرية. فعندما أصيب ميناء الحديدة، لم يقتصر الضرر على مناطق الحوثيين والنظام الحوثي، بل أثر على كل الدولة، لأن هذا الميناء يدخل عبره السلاح والمساعدات العسكرية من إيران، وتدخل المساعدات الإنسانية المخصصة لـ 70 في المئة من سكان الدولة، الذين هم تحت خط الفقر. كان هذا أيضاً السبب في امتناع الولايات المتحدة وأعضاء التحالف العسكري الذي شكلته في الحرب الأحمر، عن المس بالميناء.

استراتيجية رد أمريكا على تهديد الحوثيين ما زالت تعتمد على مبدأ “ردع وتقليص قدرة” الحوثيين، ما يعني عملياً المس بالقواعد العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات، لكن ليس بالبنى التحتية المدنية. طمحت إدارة بايدن للدفع قدماً بالمفاوضات السياسية بين شطري اليمن بيد، وباليد الأخرى إظهار قبضة قوية ضد إرهاب الحوثيين، ولكن بدون نجاح. يبدو أنه لا توجد لإسرائيل معضلة مشابهة، وتدمير البنى التحتية المدنية لا يشكل أي عائق أمام اعتباراتها الاستراتيجية. ولكن أكثر مما في غزة ولبنان، والآن في سوريا، بات مطلوباً منها الأخذ في الحسبان، ليس فقط مصالح وسياسة أمريكا، بل أيضاً مصالح السعودية والإمارات ومصر.

هذه الدول لم تنضم إلى التحالف العسكري المناهض للحوثيين، الذي شكلته الولايات المتحدة رغم شل التجارة في البحر الأحمر، والأضرار الكبيرة التي سببها الحوثيون باقتصاداتها. خوف هذه الدول الرئيسي هو استئناف الحوثيين استهداف أهداف اقتصادية حيوية، بالأساس على منشآت النفط كما فعلوا في العام 2019، التي أصيبت فيها منشآت النفط لشركة “أرامكو”.

هذه الهجمات جعلت أبو ظبي تنسحب من التحالف الذي شكلته السعودية في 2017، وتعزز علاقاتها مع إيران مقابل الهدوء من قبل الحوثيين. ما زالت السعودية تعتبر نفسها عراب عملية السلام الداخلية في اليمن، التي تهدف إلى تشكيل حكومة مشتركة في اليمن. حاولت مصر التفاوض مع الحوثيين لتحرير الملاحة البحرية عن طريق قناة السويس، ولكنها لم تنجح في ذلك حتى الآن. النتيجة أن إسرائيل في الحقيقة شريكة في التحالف العسكري في البحر الأحمر، لكنها في اختيار أهداف هجماتها تبدو مقيدة بـ “خطوط حمراء” تمليها دول المنطقة. ورغم توسيع نطاق الهجمات، يبدو أنها مرتبطة حتى الآن بسياسة الإدارة الأمريكية.

إن دخول ترامب إلى البيت الأبيض لا يضمن توسيع القيود على الرد العسكري. فقد أيد ترامب في الواقع حرب السعودية في اليمن، وفي العام 2019 استخدم الفيتو ضد اقتراح قانون هدف إلى تقليص بيع السلاح للسعودية بسبب الكارثة الإنسانية الشديدة التي سببتها الحرب في اليمن. ولكن ترامب كان الرئيس الذي لوى ذراع الرياض وأجبرها على البدء في إجراء المفاوضات مع الحوثيين. وقال إن “الحرب في اليمن لن تنتهي بقوة الذراع، بل على طاولة المفاوضات”.

يبدو أن التوق إلى تدمير النظام الحوثي بضرب بناه التحتية المدنية ومصادر مداخيله ما زال تحققه بعيداً. ميناء الحديدة هو مصدر دخل مهم للنظام، لكنه ليس الوحيد. فمعظم مداخيله يحصل عليها من سلسلة طويلة من الضرائب والرسوم والغرامات ودفعات المعشار الدينية وجباية الرسوم مقابل أي رخصة في كل مجال تصدرها الحكومة، بما في ذلك عقود الزواج، والسيطرة على العقارات وبيعها، والقروض البنكية مقابل فائدة مرتفعة، وفرض الجمارك على البضائع التي تأتي من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها، والجمارك على البضائع التي تخرج من اليمن الحوثية. كما أن رسوم تخزين النفط في مخازن ميناء الحديدة لصالح التجار الخاصين يعتبر مصدراً للدخل أيضاً.

النظام الحوثي أسس أيضاً بنكاً مركزياً منفصلاً عن بنك حكومة اليمين المعترف بها. وفي نيسان الماضي، بدأ في طباعة عملة جديدة استبدلت أوراق الـ 100 دينار القديمة، وهو يحافظ على سعر مستقر نسبياً للدولار مقابل الدينار بوسائل اصطناعية. ولكن سعر الدينار الجديد يبلغ نصف سعر الدينار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. عندما أمرت حكومة اليمن البنوك التي تعمل في صنعاء بنقل مركز نشاطها إلى عدن، هدد زعيم المتمردين، عبد الملك الحوثي، السعودية بالذات واتهمها بأنها المسؤولة عن “الحرب الاقتصادية” التي تديرها حكومة عدن ضده.

وقال الحوثي إن “الأمريكيين يدفعون النظام السعودي إلى أفعال غبية وعدوانية، لا نقبل بها. حقيقة أننا منشغلون في “معركة إسناد” غزة (المفهوم الذي يرمز لوحدة الساحات)، لا تعني أننا لا يمكننا فعل شيء ضد أفعالهم الهستيرية. بل سنرد بشكل مشابه. موانئ ضد موانئ، مطارات ضد مطارات، وبنوك ضد بنوك”. هذا تهديد أثمر، وتراجعت حكومة اليمن عن هذه التعليمات.

الحرب في البحر الأحمر تخدم بشكل جيد أيضاً سياسة التقشف التي يفرضها الحوثي على مواطنيه، مثل التجند في الجيش، والنضال ضد الأعداء السياسيين. تعتبر صنعاء جزءاً من “حلقة النار” التي شكلتها إيران، لكن بقاء النظام يعتبر مصلحة عليا للمتمردين، والحرب الدائمة تخدمه. بناء على ذلك، لا تأكيد على أن الحرب في غزة ستتوقف. وإذا طلبت إيران من الحوثي التوقف عن إطلاق النار في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل، فسيستجيب لذلك.
تسفي برئيل
هآرتس 23/12/2024