> أسماء حجاج:

شهدت الساحة السياسية والعسكرية في الآونة الأخيرة تحولات كبيرة في تحالفات بعض الفصائل السياسية في المنطقة خاصة بعد أحداث عملية «طوفان الأقصى» من بينها دخول جماعة الحوثي باليمن إلى جبهة دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. جاء هذا الدعم في إطار إطلاق صواريخ ومسيرات ضد أهداف إسرائيلية واستهداف للسفن الإسرائيلية.

أعلنت جماعة الحوثي رسميًّا الحرب على إسرائيل أواخر أكتوبر 2023، وذلك مساندة للقضية الفلسطينية والمقاومة. وعلى مدار أكثر من عام تواصل جماعة الحوثي تنفيذ هجمات متعددة على سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ممر استراتيجي يربط البحر الأحمر وخليج عدن.. وفى خطاب مصور بمناسبة الذكرى الأولى لطوفان الأقصى أعلن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي حصيلة الهجمات التي نفذتها جماعته إسنادا لغزة، وقال إن قواتهم المسلحة استهدفت 193 سفينة مرتبطة بالعدو الإسرائيلي كما تم إسقاط 11 طائرة مسيرة.

تطورت هجمات الحوثيين على مراحل الأولى استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ثم توسعت الهجمات لتشمل جميع السفن المتجهة إلى المواني الإسرائيلية سواء لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بإسرائيل، ثم توسعت لتشمل السفن المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ثم توسعت أكثر لتشمل السفن التي يمتلك مشغلوها سفنا تزور الموانئ الإسرائيلية.

ومن بين 193 سفينة استهدفها الحوثيون خلال أكثر من عام، كان هناك هجمات لها التأثير الأبرز في مقدمتها اختطاف السفينة «جلاكسي ليدر» نوفمبر 2023 التي قالوا إنها إسرائيلية، وما زال طاقمها محتجزًا حتى الآن وقالت جماعة الحوثي إن مصير طاقمها مرتبط بالمفاوضات مع حركة حماس.. وردًّا على هجمات الحوثيين، تم تشكيل مهام دفاعية بحرية إقليمية مختلفة منها عملية «حارس الازدهار» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتضم 20 دولة، في حين رفضت دول عدة المشاركة فيه، وعملية «أسبيدس» بقيادة الاتحاد الأوروبي.. وشنت أمريكا وبريطانيا بدعم الحلفاء هجمات صاروخية استهدفت ترسانات صواريخ الحوثيين ومواقع إطلاقها، ولكن هذه العمليات لم تردع جماعة الحوثي المدعومة من إيران حتى الآن.

بعيدًا عن الجانب السياسي، فقد شكلت هجمات الحوثيين والتصعيد في منطقة البحر الأحمر تهديدا للاقتصاد العالمي والعربي وتسببت في تعطل حركة التجارة العالمية وعرقلة سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وارتفاع أسعار النفط. تعتبر منطقة البحر الأحمر شريان حيوي للملاحة الدولية حيث تعبر 13 ٪ من التجارة العالمية السنوية عبرها أي ما قيمته تريليون دولار من البضائع من ضمنها النفط والغاز الطبيعي والإلكترونيات وغيرها.

ورغم تأثير الهجمات التي يشنها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر، فإن مديرة صندوق النقد الدولي قللت من التأثير طويل المدى على الاقتصاد العالمي نتيجة تلك الهجمات وقالت «هناك تأثير لهذه الهجمات، لكنها ليست بالحجم الذى من شأنه أن يخرج توقعات نمو الاقتصاد العالمي عن مسارها بشكل كبير».

وفى الوقت الذى أعلنت فيه جماعة الحوثي أن هدفها الأساسي من الهجمات هو إسرائيل، إلا أن التقارير تشير إلى أن تأثر التجارة الخارجية لإسرائيل قد يكون محدود لأن 5 ٪ من إجمالي الصادرات الإسرائيلية يتم نقلها بحرا إلى آسيا وأوقيانوسيا، كما أن إجمالي الواردات الإسرائيلية لم ينخفض بشكل كبير.. وبعيدا عن التصعيد الحوثي إقليميا، فإن الصراع الداخلي بين جماعة الحوثي التي تحكم شمال اليمن والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا مازال مستمرًا دون حل واضح، حيث فشلت كل الوساطات ولم تنجح المبادرات في تحقيق تسوية شاملة. ومؤخرا حملت الحكومة اليمينية الحوثيين المسئولية عن عدم تحقيق السلام واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، والاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب اليمنى. ودعت الحكومة اليمنية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح جماعة الحوثي، وحملت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون معهم وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق«الحديدة».

ومع اقتراب عام 2025، قد تزداد المخاطر البحرية العالمية الحالية أو تنخفض تدريجيًا، وسيعتمد ذلك على كيفية تعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع إيران وحرب غزة التي استخدمها الحوثيون لتبرير هجماتهم. ووفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فمن المفترض أن يمهد التوصل لاتفاق إطلاق النار في غزة لحل دبلوماسي لأزمة البحر الأحمر، والحل الجاد يتطلب مشاركة الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة الأمريكية الذين تأثرت حركة السفن إلى موانئهم بهجمات الحوثيين. ومن ناحية أخرى إذا انتهجت إدارة ترامب سياسة صارمة تجاه إيران، فقد تواجه السفن التجارية مزيدا من المخاطر. باختصار ستؤثر سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل مباشر على المجال البحري في المنطقة.

"الأخبار"