زار هنري كيسنجر مصر قبل حرب 1973 وكانت حالة الجمود تثقل مصر وشكا له السادات الوضع وأن إسرائيل فرضت أمرًا واقعًا ولن تتزحزح عنه سلميًّا ودبلوماسيًّا فقال له: "سخّن البلاطة"!! فكانت حرب أكتوبر وما تلاها.

كانت حسابات الانتقالي أن ما أجبره على شراكة الشماليين في الشرعية ليس اتفاق الرياض فقط وإن كان هذا الاتفاق لو استقريناه من زاوية أخرى فقد أعطى للانتقالي شرعنة في الشرعية، بدل الخيار الآخر وهو تصنيفه وقواته مليشيات، فالشرعية المعترف بها عالميًّا هي الشرعية التي صدرت بها قرارات دولية وبند سابع وقام تحالف وحرب لأجلها..إلخ ضد انقلاب حوثي، بغض النظر عن دعم ما تحت الطاولة الذي قامت به دول ومنظمات حتى الأمم المتحدة لصالح الانقلاب؛ بل كانت موانئ لبلدان مجاورة تستقبل ما يحتاجه عسكريًّا ويمر عبر طرق صحراوية محمية خاضعة للشرعية تعلمها دول التحالف!! وما أجبر الانتقالي على ذلك أنه يعلم حقيقة سياسية وقانونية أن الجنوب مازال جزءًا من قضية اسمها "الجمهورية اليمنية" ومازال الجنوب في سياقها والعالم معترف بها وخروجه - بفرض أمر واقع - على هذه الشرعية التي صدرت بها قرارات دولية وفصل سابع يجعل الخروج عن ذلك السياق انقلابًّا تستقوي فيه اليمننة وطرفيات أحزابها بمسمى الشرعية فتقف ضد الجنوب عسكريًّا وسياسيًّا؛ بل سيجعلون العالم والإقليم يقف ضده باعتباره انقلابًا على الشرعية التي صدرت القرارات لدعمها، لذا فنهج الخيار السياسي رغم الآلام وحرب الخدمات التي يمارسونها في الجنوب ما زال خيارًا أكثر ضمانًا للقضية الجنوبية.

في الجانب الآخر فإن ما أجبر الشماليين على قبول الشراكة "أن البلاطة كانت ساخنة" في الجنوب فقبلوا وأمامهم هدفا للشراكة هو إفراغها وتحويلها حرب في الجنوب لإعادة "الفرع للأصل" وتفريغ الجنوب من مقاومته وقضيته والسيطرة عليه بصورة " الشراكة " والعمل على دعم الفوضى والإرهاب وتعطيل الخدمات فيه وهو سلاح أخطر من السلاح العسكري وقد نجحت فيه إلى حد كبير بينما كان هدف الانتقالي من الشراكة الحصول على شرعية واعتراف بقضيته وبناء المؤسسات وتوفير الخدمات للمواطن ولم يحقق ذلك لان القرار المالي والإداري وهما "عصب أي إدارة" مازال يدار لصالح القوى الشمالية في الشرعية أو طرفياتها مع وجود اختراقات للانتقالي في بعض المحافل لم تصل إلى حد الاعتراف بقضيته وبذلك فاستمرار الشراكة بالطريقة الأولى ما خدم الجنوب بل خدم القوى اليمنية.

الخلاصة:
طالما وأن الاستمرار في الشراكة بوضعها الحالي لن يجدي نفعًا بقدر ما يزيد من كلفة الخسائر على الجنوب وقد تضيع الفرصة أمامه للاستفادة من المتغيرات التي تشهدها المنطقة بما يخدم قضيته فإن خيار تسخين البلاطة بات ضرورة ملحة؛ لكنه يجب أن يكون مدروسًا يأخذ القدرة على التحّكم والسيطرة على كل الأبعاد داخليًّا وإقليميًّا لكي لا يتحول إلى نتائج كارثية.