قال المؤلف والفيلسوف الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو: "إذا أردت اكتشاف عقل شخص فانظر إليه كيف يحاور من يخالفه الرأي" هذه المقولة تحمل في طياتها دعوةً عميقة لفهم كيفية تعامل الأفراد مع النقد ووجهات النظر المخالفة إذ لا يُقاس عقل الإنسان بما يوافقه من آراء بل بما يظهره من مرونة في الحوار واحترام لوجهات النظر الأخرى فالأفكار لا تنمو إلا في بيئة من النقاشات البناءة التي تُنمى فيها العقول بدلاً من تقييدها.

في الواقع السياسي الجنوبي يمكن إسقاط هذه المقولة على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أثبت قدرته على التفاعل مع مختلف الآراء والأفكار، فالمجلس الذي يعتبر اليوم أحد الأطراف السياسية الرئيسية في الساحة اليمنية يتبنى مبدأ الحوار ويؤمن بأن العقل هو مفتاح التقدم والنهوض، وإذا أردنا أن نرصد كيف يتعامل المجلس مع من يخالفه الرأي نجد أن هناك اهتماماً واضحاً بالتحاور مع المخالفين بروح من التفاهم والإقناع وهو ما يعكس التزامه بالقيم الديمقراطية والحوار السياسي.

إن المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والإعلامي ولكنه يقابل هذه التحديات بحوار عقلاني يهدف إلى توضيح رؤيته ومواقفه فرغم وجود أطراف سياسية متعددة بعضها يتبنى توجهات أيديولوجية مختلفة تخالفه الرأي إلا أن المجلس يبذل جهداً كبيراً في فتح قنوات الحوار ويحرص على تقديم حجج منطقية ومبنية على أسس وطنية وعلمية هذه الروح الإيجابية في الحوار لا تعني ضعفاً في الموقف بل هي تعبير عن قوة الفكر وتقدير للآخر.

ولعل أبرز ما يميز المجلس الانتقالي في تعامله مع المخالفين هو تبني نقد بناء يهدف إلى تحسين الوضع السياسي في الجنوب حيث لا يقتصر الحوار على تبادل الآراء بل يسعى إلى إحداث تغييرات إيجابية حتى في ظل اختلاف وجهات النظر يبقى هناك احترام متبادل وتقدير للجهود المبذولة من الأطراف الأخرى ولا شك أن هذا النهج يعزز من مصداقية المجلس ويجعله نموذجاً يحتذى به في كيفية التعامل مع الانتقادات.

في المقابل تظهر بعض الأصوات المعارضة التي ترى في المجلس الانتقالي تهديداً لمصالحها السياسية فتنطلق في حملات نقد قاسية في محاولة لإضعاف موقفه وتوجيه اتهامات غير مبررة إضافة إلى ذلك هناك حملات هجوم من أطراف معادية لا تؤمن بالحوار بل تسعى إلى تشويه صورة المجلس ورفض كل محاولات التواصل والتفاهم، إلا أن ما يميز المجلس هو قدرته على التفريق بين النقد الهادف والنقد المغرض مما يمنحه مرونة في التعامل مع جميع الآراء ويسمح له بالبقاء على مسار الإصلاح والتطوير.

من هنا لا بد من التأكيد على أن الحوار مهما كانت صعوباته هو السبيل الوحيد لتحقيق التقدم السياسي والاقتصادي فمن خلال الحوار مع المخالفين لا يظهر فقط مدى قدرة الشخص أو الجماعة على احترام الرأي الآخر بل يكشف أيضاً عن مستوى تطورهم الفكري والسياسي ولقد أظهرت تجربة المجلس الانتقالي الجنوبي أنه قادر على خلق مساحة من الحوار الهادئ والمثمر الأمر الذي يعزز من مكانته في المشهد السياسي الجنوبي ويؤكد على دوره الريادي في المرحلة القادمة.