إن التعايش هو جزء أصيل من الثقافة اليمنية، متجذر في قيم الكرم والضيافة والتآخي التي عُرف بها اليمنيون عبر التاريخ. هذه القيم لطالما جمعت بين مختلف الأطياف، مشكِّلة نموذجًا للانسجام والتعاون. ومع ذلك، فإن غياب التعليم وفقدان مناهج مبنية على أسس التعايش والتسامح وعدم توفر الفرص للشباب يشكلان تهديدًا لهذه القيم، حيث يؤدي الجهل والتعصب إلى طمس مبادئ التعايش والسلام. لكن هذا لا يعني أن روح التعايش قد اختفت، بل هي بحاجة إلى إحياء من خلال تمكين الشباب وتعليمهم، ليصبحوا حملة لواء السلام وبناة مجتمع أكثر وعيًا فكما تعلمون مرحلة الشباب هي أعظم مراحل العمر، حيث يمتزج الطموح بالقوة، والأحلام بالقدرة على الإنجاز. في مجتمعنا، يمثل الشباب الغالبية العظمى من السكان، وهم الحيز الأكبر والأهم في نسيج المجتمع. وإن أرادت أي أمة أن تتقدم وتزدهر، فإن الاستثمار في شبابها هو المفتاح. ولكن ما مصير مجتمع لا يمنح شبابه الفرص التي يحتاجونها؟ ما مصير جيل لا يجد الإمكانيات التي تُمكِّنه من أن يصبح مشاركًا فعّالًا في بناء وطنه؟ فالشباب هم العمود الفقري لأي مجتمع، وإذا لم تُبنَ قدراتهم ولم تُفتح لهم أبواب العلم والمعرفة، فإن المجتمع بأسره يواجه معضلة عميقة، معضلة تهدد استقراره وازدهاره. لأن التعليم والتأهيل هما الجسر الذي يربط الشباب بمستقبلهم، ويحول أحلامهم إلى واقع ملموس. ولأن مرحلة الشباب هي فترة بناء الهوية، فإن غرس قيم التعايش والسلام في نفوسهم منذ البداية أمرٌ بالغ الأهمية.

في الثقافة اليمنية، كما في غيرها من الثقافات، نجد أن الآباء دائمًا ما يرددون عبارات مليئة بالأمل والرغبة في حياة أفضل لأبنائهم. فمثلًا نسمعهم يرددون: “لا أريد أن يعيش ابني كما عشتُ أنا"،"أريد أن أرسم لأبنائي مستقبلًا مزدهرًا"، طامحين لأن يحصل أبناؤهم على فرص لم تكن متاحة لهم. لكن كيف يمكن أن نحقق هذه الطموح إذا لم نوفر للشباب أدوات النجاح؟ إن أردنا لهم حياةً أفضل، علينا اليوم أن نمنحهم فرص التعليم والتأهيل، وأن نزرع فيهم قيم التعايش والتسامح ليصبحوا بناة المستقبل ورواده، فالتعايش ليس مجرد كلمة، بل هو حالة روحية عميقة، يتعلمها الإنسان وينمو بها عندما يجد من يمد له يد العون ويفتح له أبواب الفهم والاحترام المتبادل، فالشباب الذين ينشؤون على قيم التعايش هم القادرون على تجاوز حواجز الجهل والتعصب، هم القادرون على رؤية الآخر كشريك في بناء مجتمع أفضل. وإذا أردنا حقًا أن نرى ملامح السلام في مجتمعنا اليمني، فعلينا أن نبدأ من شبابنا.

اليمن بلدٌ غني بثقافته وتراثه العريق، لكن هذا التراث بحاجة إلى أيادٍ شابة تُحييه وتجعله ينبض بروح العصر. وعندما يتلقى الشباب فرصهم في التعليم والتأهيل، فإنهم يصبحون أكثر استعدادًا لقيادة هذا الإرث نحو مستقبل مشرق. هذا الجيل هو الذي يمكنه أن ينسج من تعددية المجتمع اليمني لوحةً فنيةً، تجمع بين أطياف مختلفة في نسيج واحد، مليء بالانسجام والتآخي فالتعايش الحقيقي يبدأ عندما يكون لدى الشباب الفرصة للإبداع، للتفكير، ولتجاوز القيود التي تعيق عقولهم. عندما يُمنح الشباب البيئة التي تُمكِّنهم من التعبير عن أفكارهم، ومن التفاعل مع الآخرين دون خوف أو تردد، فإن ملامح السلام تبدأ في التبلور. إن بناء المجتمع الأفضل لا يتطلب سوى إيمان عميق بأهمية الشباب وقدراتهم، وسعي جاد لتزويدهم بالمهارات والقيم التي يحتاجونها.

في النهاية، الشباب هم سنارة التطور في أي مجتمع، وهم البذرة التي تُزرع اليوم لتحصد ثمرًا غدًا. وإذا أردنا حقاً أن نرى مجتمعًا يمنيًا قويًّا متماسكًا، علينا أن نبدأ من تمكين الشباب، وتعليمهم قيم التعايش والتسامح، وجعلهم شركاء في بناء الوطن. هذه ليست مجرد مسؤولية، بل هي فرصة ذهبية لخلق مجتمع ينعم بالرفاهية والانسجام، مجتمع يقوده شباب واعٍ يحمل في قلبه الأمل وفي عقله العلم وفي روحه نور التعايش والسلام.

ودمتم في كنف الله سالمين ومؤيدين..