> طهران "الأيام" العرب اللندنية:

​تراقب إيران المحادثات الأميركية – الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا بقلق شديد، إذ أن الحرب عززت العلاقات الروسية – الإيرانية، لكن انتهاءها من شأنه أن يفرض تحديات جديدة على الشراكة.

والتقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الرياض في 18 فبراير الجاري في أول محادثات مباشرة بين كبار المسؤولين الأميركيين والروس بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، ما أجج المخاوف من أن موسكو ستتخلى عن طهران لإحياء العلاقات مع واشنطن.

وغذى هذه المشاعر تعليق كيث كيلوج، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أوكرانيا وروسيا، الذي قال في 15 فبراير إنه “من المهم للغاية” منع تحالفات روسيا مع إيران والصين وكوريا الشمالية من الترسخ.”

وقالت صحيفة جمهوري إسلامي المحافظة المعتدلة، التي حذرت منذ فترة طويلة من الثقة في موسكو، في 19 فبراير بأن “تداعيات أي اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا ستؤثر على إيران لأن موسكو لديها سجل في التراجع عن وعودها لحلفائها.”

وحث محسن ميلاني، المحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة، طهران على إعادة النظر في موقفها بشأن المحادثات المباشرة مع واشنطن قبل أن تتمكن روسيا من التفاوض على حقوق إيران لتأمين مصالحها الخاصة.

وكان العقد من عام 2015 إلى عام 2025 بمثابة فترة محورية في العلاقات الروسية – الإيرانية.

وفي سبتمبر 2015، أنشأت روسيا وإيران وسوريا والعراق شبكة مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية . وبعد بضعة أيام، أطلقت إيران وروسيا بشكل غير متوقع حملة عسكرية مشتركة كان هدفهما تعزيز نظام بشار الأسد المحاصر في الحرب الأهلية السورية.

وأسفر هذا التعاون عن إستراتيجية عسكرية غير تقليدية: سيطرت القوة الجوية الروسية على السماء، وشنت حملات قصف مكثفة ضد المتمردين السوريين، بينما تقدمت القوات الإيرانية على الأرض.

وبعيدًا عن ساحة المعركة، توسعت علاقاتهما الثنائية عبر مجالات متعددة. ففي عام 2016، سلمت روسيا أخيرًا نظام الدفاع الصاروخي إس-300 الذي طال انتظاره إلى إيران، بل ولعبت موسكو دور الوسيط بين طهران والرياض في مفاوضات أوبك. ونتيجة لهذا، امتنعت المملكة العربية السعودية عن ربط تخفيضات إنتاجها النفطي بتخفيضات موازية من جانب إيران.

ومع ذلك، وعلى الرغم من التعاون المتزايد، ظلت التوترات قائمة. وظهرت الخلافات حول تقسيم عقود إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا، حيث تنافس الجانبان على حصة أكبر من الغنائم الاقتصادية. كما سعت إيران إلى الحصول على أسلحة متقدمة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز سو-35، لكن روسيا توقفت عن تجارة الأسلحة.

ومع ذلك، استمرت العلاقة في التعزيز. ولكن في هذه المرحلة، حافظت روسيا على اليد العليا وظلت موسكو القوة العسكرية والاقتصادية المهيمنة.

وبدأ هذا التوازن في التحول في عام 2022 مع الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا حيث غيرت الحرب بشكل كبير العلاقات الروسية – الإيرانية.

ومع استمرار الصراع، وجدت روسيا نفسها معزولة بشكل متزايد، مثقلة بالعقوبات الدولية، وغير مستعدة عسكريا لخوض معركة طويلة الأمد.

وفي ظل يأسها من الدعم العسكري وبسبب القيود التي فرضها الغرب، لجأت موسكو إلى طهران.

و أدركت إيران، التي كانت بالفعل تحت وطأة عقوبات ثقيلة، وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، الفرصة سانحة. ومع وجود القليل مما قد تخسره ولكن الكثير لتكسبه، سارعت طهران إلى وضع نفسها كمورد رئيسي للأسلحة لروسيا، حيث زودتها بالطائرات دون طيار وغيرها من الأسلحة.

ولم يكن دعم إيران لروسيا مدفوعا بالحوافز المالية فحسب. بل كان الأهم من ذلك أنه يعكس طموح طهران الإستراتيجي لإعادة ضبط ديناميكيات القوة في علاقتهما غير المتكافئة.

وعلى مدى عقود من الزمان، كانت روسيا تملي الشروط، مستغلة تفوقها الاقتصادي والعسكري. ومن خلال تزويد موسكو بأصول عسكرية حاسمة، سعت إيران إلى اكتساب النفوذ وترسيخ نفسها كشريك لا غنى عنه.

وبدأت هذه الإستراتيجية تؤتي ثمارها، حيث أطلقت روسيا القمر الصناعي العسكري الإيراني خيام، مما يشير إلى تعاون تكنولوجي أعمق.

ومع ذلك، كان لنفوذ إيران المكتشف حديثا حدود واضحة. فقد استمرت روسيا في حجب الطائرات المتقدمة، وخلال المواجهات بين إيران وإسرائيل في أبريل وأكتوبر 2024، امتنعت موسكو عن تقديم دعم هادف لطهران. وقد أكد هذا على القيود المفروضة على شراكتهما، ففي حين تعمق التعاون، ظل يتشكل من خلال المصالح المتنافسة وعدم التوازن الأساسي في القوة.

ويرى محللون أن انتهاء الحرب في أوكرانيا من شأنه أن يلغي النفوذ الإيراني المؤقت على روسيا. ودون الحرب، سوف تنخفض أهمية إيران الإستراتيجية بالنسبة لموسكو.

ويشير المحللون أنه بمجرد عدم حاجة روسيا إلى الطائرات دون طيار والدعم العسكري الإيراني، فلن يكون هناك الكثير مما يمكن لطهران أن تقدمه لتلبية الاحتياجات الفورية لروسيا.

وعلاوة على ذلك، من المرجح للغاية أن تسعى روسيا، في محاولة لتأمين وقف إطلاق نار موات أو اتفاق سلام في أوكرانيا، وإعادة بناء العلاقات مع الولايات المتحدة، إلى الحد من التوترات في مجالات أخرى من الخلاف مع واشنطن.

ومن بين هذه العوامل، تبدو إيران هي الأكثر قابلية للاستغناء عنها بالنسبة لموسكو. فمع انتهاء حرب أوكرانيا، لن تكون لدى روسيا أسباب إستراتيجية كافية للحفاظ على علاقات وثيقة مع طهران، مما يجعل إيران مرشحة محتملة للتهميش.

وقال حميد رضا عزيزي، زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية لإذاعة أوروبا الحرة “كمبدأ في العلاقات الدولية، تعتبر القوة عاملاً حاسماً. بطبيعة الحال، ليس من الغريب أن تستخدم القوى العظمى الدول الأصغر كأدوات ونفوذ لتأمين مصالحها.”

وبالإضافة إلى السعي لتحقيق الوفاق مع الولايات المتحدة، ستكون لدى روسيا حوافز أخرى للنأي بنفسها عن إيران في حقبة ما بعد حرب أوكرانيا. وأحد العوامل الرئيسية هو علاقتها بإسرائيل، وهي الشراكة التي سعت موسكو باستمرار إلى الحفاظ عليها وتوسيعها.

وهناك عامل حاسم آخر يتمثل في المشهد الجيوسياسي المتغير في الخليج. ومع إحياء إدارة الرئيس ترامب لحملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، فمن المرجح أن تتحالف دول الخليج بشكل أوثق مع الولايات المتحدة ضد طهران أو على الأقل تشعر بالضغط للقيام بذلك. وفي هذا السياق، فإن النأي بنفسها عن إيران من شأنه أن يساعد روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع الدول العربية دون تنفير الشركاء الإقليميين الرئيسيين.

وقد يشكل هذا التحول تحديا كبيرا لإيران. ومع إعادة الرئيس ترامب فرض حملة الضغط القصوى، ستحتاج طهران بشكل عاجل إلى الدعم الدبلوماسي الروسي في الأمم المتحدة لمنع القرارات ونقض العقوبات.

وبالإضافة إلى ذلك، ستعتمد إيران على الدعم العسكري الروسي لإعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية الضعيفة بشدة.

ودمرت الضربات الإسرائيلية على أنظمة إس-300 الإيرانية بالفعل أربع بطاريات من أصل خمس، مما يجعل طهران في حاجة ماسة إلى أنظمة رادار جديدة، وتكنولوجيا الإنذار المبكر، ومنصات الدفاع الجوي، والطائرات.