​في عالم السياسة والقانون الدولي، يُعد مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" حجر الأساس في تنفيذ الالتزامات التعاقدية بين الدول والكيانات السياسية.

هذا المبدأ، الذي رسخته القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، ينص على أن أي عقد أو اتفاق يُبرم بين طرفين يصبح ملزمًا لهما، ولا يجوز الإخلال به من طرف واحد دون مسوّغ قانوني. ويمثل هذا المبدأ أحد الركائز الأساسية في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، التي تُلزم الدول بتنفيذ التزاماتها بحسن نية.

- في السياق الجنوبي: التزامات مُنكثة ومعادلة غير متكافئة
يُعد اتفاق الرياض (2019) أحد النماذج الصارخة لانتهاك مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، حيث تم توقيعه بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية إقليمية ودولية، إلا أن الحكومة اليمنية أخفقت في تنفيذ العديد من بنوده الجوهرية، لا سيما فيما يتعلق بالشراكة السياسية وإدارة الموارد الجنوبية.

هذا الإخلال يثير تساؤلات قانونية حول مدى التزام الدولة بتعهداتها، ومدى مشروعية التصرفات التي تتعارض مع اتفاق أُبرم بضمانات دولية.

- الثروات الجنوبية: التزامات اقتصادية منتهكة
تمثل الاتفاقيات المتعلقة بالثروات الطبيعية في الجنوب، من نفط وغاز وموانئ، ميدانًا آخر لانتهاك المبدأ. إذ تُبرم الحكومة اليمنية عقودًا مع شركات أجنبية دون مراعاة للواقع السياسي الجديد، متجاهلة أن الإدارة المحلية في الجنوب، وفقًا للاتفاقات، يجب أن تكون شريكًا في اتخاذ القرارات الاقتصادية.

إن استمرار هذه التجاوزات لا يُعد إخلالًا بالمبدأ فحسب، بل يُهدد أيضًا استقرار هذه الاتفاقيات مستقبلًا، حيث قد تُطعن شرعيتها بناءً على عدم احترام إرادة أصحاب المصلحة الأساسيين.

- الالتزامات الأمنية ومكافحة الإرهاب: ازدواجية المعايير
على الصعيد الأمني، تعهدت الحكومة اليمنية بالتعاون في مكافحة الإرهاب وفق اتفاقيات أمنية مع دول كبرى. إلا أن ممارساتها على الأرض تناقض تلك الالتزامات، مما يضع الجهات الراعية لهذه الاتفاقيات أمام مسؤولية قانونية لمساءلة الطرف المُخلّ.

في المقابل، يُمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أثبت التزامًا أكبر في مكافحة الإرهاب، أن يعزز دوره كشريك أمني موثوق عبر إثبات إخلال الحكومة بالتزاماتها الدولية.

مسؤولية المجتمع الدولي في فرض الالتزام بالاتفاقات، إن احترام مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" ليس مجرد التزام قانوني، بل هو معيار رئيسي لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي. وعليه، فإن أي إخلال بهذا المبدأ يُفقد الاتفاقات شرعيتها ويُقوض الثقة بين الأطراف.

ومن هنا، فإن المجتمع الدولي، بصفته الراعي للعديد من الاتفاقيات، يتحمل مسؤولية فرض احترامها، وإلا فإن الشرعية القانونية لأي عملية تفاوضية مستقبلية ستظل محل تشكيك.