> عمرو حمزاوي:
شهد القرن العشرون مشهدًا متقلبًا للغاية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أدت السياسات الاستعمارية، وحركات الاستقلال، وقيام إسرائيل، وظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة، والانقلابات العسكرية في مختلف الدول العربية، وتوطيد سلطة الملوك المتبقين، والحروب العربية الإسرائيلية المتتالية، والحروب الأهلية، إلى تغيير جذري في طابع المنطقة.
في ظل غياب الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، انخرطت القوى الإقليمية والدولية أحيانًا في اقتراح ترتيبات أمنية جماعية.
ومن الأمثلة على ذلك معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقّعتها الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية عام 1950، والتي نصّت على التزام جميع الموقعين بالمساعدة في حماية سلامة أراضي وسيادة بعضهم البعض. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك حلف بغداد، الذي أنشأته المملكة المتحدة برعاية الولايات المتحدة، والذي جمع إيران والعراق وباكستان وتركيا كأعضاء بهدف احتواء الشيوعية في الشرق الأوسط. شهدت المنطقة أيضًا إعلانات مختلفة تُلزم القوى الإقليمية والدولية بالتنسيق الأمني.
وبينما تقف جامعة الدول العربية اليوم متحدة خلف خطة مصر لإعادة إعمار غزة في مارس 2025، مستعدة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين ومع وجود ضمانات أمنية لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة بما في ذلك إسرائيل، فقد حان الوقت لإلقاء نظرة على حالات الحرب وعدم الاستقرار الإقليمية السابقة التي انتهت (أو على الأقل تم إخمادها) نتيجة لترتيبات أمنية ثنائية أو متعددة الأطراف.
توضح خمس اتفاقيات سابقة – قرارات الخرطوم 1967، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 598 الذي أنهى الحرب العراقية الإيرانية في 1988، واتفاق الطائف 1989، وإعلان دمشق لعام 1991 – أن الالتزام الدائم بالأمن الجماعي في الشرق الأوسط ضروري لضمان النجاح الدائم ليس فقط في إعادة إعمار غزة، ولكن أيضًا في ضمان السلام والاستقرار في المنطقة على نطاق واسع.
تُظهر هذه الأمثلة الشرق أوسطية أن الجهود الدبلوماسية العربية والدولية يمكن أن تُفضي إلى تسوية سلمية للنزاعات. ومن اللافت للنظر أنه باستثناء إعلان دمشق لعام 1991 (الذي فشل في تحقيق إنشاء نظام أمن جماعي عربي) فإن جميع هذه الاتفاقيات أدت إلى تسويات سلمية استمرت بنجاح لفترات طويلة.
لم تلجأ مصر والسعودية إلى المواجهة العسكرية المباشرة أو الحرب بالوكالة منذ انتهاء حرب اليمن بقرار الخرطوم عام 1967. يظل السلام المصري الإسرائيلي مستقرًا في مواجهة العديد من التحديات الداخلية والإقليمية منذ عام 1979. لم يحدث أي اشتباك عسكري بين البلدين منذ ذلك الحين.
أما قرار مجلس الأمن رقم 598، الذي أنهى الحرب العراقية الإيرانية، فلم يُنتهك من قِبل البلدين قط. ولم يؤدِ استخدام البلدين لأدواتهما العسكرية في النزاعات الإقليمية إلى تجدد الأعمال العدائية. رغم التوترات الداخلية المستمرة في لبنان منذ توقيع اتفاق الطائف، ورغم التدخلات الإقليمية والدولية المستمرة في شؤون هذا البلد العربي الصغير (من إيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وسوريا إقليميًا؛ ومن فرنسا والولايات المتحدة عالميًا) فقد حمى اتفاق الطائف لبنان من الوقوع في براثن الحرب الأهلية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
تكشف هذه الأمثلة عن بعض شروط نجاح التسويات السلمية في الشرق الأوسط. أولها إدراك الأطراف المتحاربة والمتصارعة عجزها عن تحقيق نصر عسكري، واستعدادها، نتيجة لذلك، للنظر في حلول وسط وقبول الجهود الدبلوماسية والمفاوضات. هذا هو بالضبط ما دفع مصر والمملكة العربية السعودية في الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات إلى قبول التسوية الدبلوماسية التي توسطت فيها الدول العربية في الخرطوم عام 1967.
وهو أيضًا ما دفع العراق وإيران إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم 598. في بعض الأحيان، تصل الجهات المتحاربة والمتصارعة إلى هذه القناعة في سياق أزمة داخلية أو خارجية حادة، مثل الهزيمة العسكرية لمصر في يونيو 1967 التي سبقت قرار الخرطوم في أغسطس 1967، أو انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق وإيران بعد سنوات الحرب الطويلة بين عامي 1980 و1988، مما دفع الدول إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 ووقف إطلاق النار المتفاوض عليه دوليًا.
الشرط الثاني هو وجود قيادة سياسية ثاقبة قادرة على التغلب على سفك الدماء والدمار من أجل صنع السلام. وهكذا كانت قيادة الرئيس المصري السابق السادات. لقد سعى إلى إنهاء الحرب بين بلاده وإسرائيل، والتفاوض مع عدو حاربه في حروب متتالية. دفع التزام السادات بالسلام إلى القيام بزيارة تاريخية إلى عاصمة عدوه وإلقاء خطاب مؤثر غير مسبوق في الكنيست يدعو فيه إلى السلام وإنهاء جميع الحروب. كان لقيادة السادات الملهمة دور فعال في تحقيق السلام المصري الإسرائيلي في السنوات الأخيرة من سبعينيات القرن الماضي وفي استدامته حتى يومنا هذا.
الشرط الثالث لنجاح التسويات السلمية هو وجود ضمانات دولية قوية تحمي التسوية السلمية وتضمن الالتزام بها. لم يكن قرار مجلس الأمن رقم 598 ممكنًا إلا بفضل الضمانات الأمريكية والسوفيتية والأوروبية. كما أصبح اتفاق الطائف ممكنًا بفضل الضمانات الأمريكية والأوروبية الممنوحة للفصائل الطائفية اللبنانية وكذلك للجهات الإقليمية الفاعلة المتورطة في الشؤون اللبنانية (إيران وإسرائيل وسوريا). وبالمثل، كان فشل إعلان دمشق لعام 1991 تعبيرًا مباشرًا عن ترتيبات الأمن الجماعي الإقليمية التي كانت غير كافية إذا رفضتها أو لم تؤيدها قوة عظمى. لم تكن الولايات المتحدة، في أعقاب قيادتها لتحالف تحرير الكويت عام 1991، مستعدة لقبول الترتيبات الأمنية العربية في الخليج. بل بعد انتصارها في الحرب الباردة، أرادت القوة المهيمنة العالمية الناشئة نشر مفهوم «السلام الأمريكي» (Pax Americana) في الشرق الأوسط. وبعيدًا عن تأييد الجهود العربية، انشغلت الولايات المتحدة عام 1991 بتمركز قواتها وبناء قواعد عسكرية في المنطقة.
كاتب من مصر - القدس العربي