​في خضم واقع أمني معقد تعيشه مدينة عدن، تفاجأ الشارع بخبر احتجاز وإهانة مدير عام شرطة السير العميد عدنان القلعة، في حادثة بدت صادمة لكونها تمس قامة أمنية أعادت لهذا الجهاز احترامه وفاعليته في فترة وجيزة.

لم يكن ما جرى مجرد سوء تفاهم عابر كما حاول البعض اختزاله، بل سابقة بالغة الخطورة، تفتح أبواب الفوضى على مصراعيها، حين تُهان مؤسسة أمنية على يد مؤسسة أمنية أخرى، دون مسوّغ قانوني أو مسؤولية إدارية.

رد العميد القلعة، الذي جاء متزناً وهادئاً، كشف عن وعي رجل دولة لا تغريه المعارك الجانبية، ولا تستفزه محاولات جرّه إلى المهاترات. بل قدّم روايته بدقة، وأفسح المجال لرد الطرف الآخر، واضعاً مصلحة عدن فوق كل اعتبار.

ومع أن العميد فضل باعش بادر بتقديم الاعتذار وشرح ملابسات ما جرى، فإن ما حدث لا يمكن أن يُطوى دون تحقيق ومحاسبة واضحة. فاحتجاز ضابط رفيع بهذا الشكل المهين، والاعتداء على مرافقيه، ومصادرة مركبته وهواتفهم، يمثل تجاوزاً فادحاً لروح النظام والقانون، ويبعث برسائل سلبية في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لفرض الانضباط.

من هذا المنطلق، فإن المسؤولية الأخلاقية والمهنية تفرض ما يلي:
تحقيق فوري وشفاف لكشف ما حدث دون رتوش أو تغطية.
اعتذار رسمي وعلني لشرطة السير، ولمديرها العميد القلعة.

إعادة ضبط العلاقة بين الأجهزة الأمنية، وفق تنسيق مؤسسي واضح، يحترم المهام ويمنع تكرار هذا النوع من التصادمات.
الشارع العدني بحاجة لطمأنينة لا لمشاهد استعراض القوة، ولثقة تُبنى بالأداء لا بالشعارات، ولهيبة لا تُفرض بالبنادق، بل تُصان بالتقدير المتبادل واحترام حدود المسؤوليات.

الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر لا يخدمهم حل، ولا يسرّهم اعتذار.
لكننا هنا لا نكتب لهم، بل نكتب من أجل دولة تُبنى، ومؤسسات تُحترم، ورجال أمنٍ يُحمون ولا يُهانون.
عدن تستحق الأفضل.
والبداية تكون من احترام بعضنا البعض.