> أحمد الأغبري:

زهاء 300 غارة شملها التصعيد الأمريكي في جولته الثانية في اليمن منذ منتصف مارس، وما ثبت عنه، في نحو أربعة أسابيع، أنه قتل 115 مدنيًا وأصاب أكثر من مئتين آخرين، بينهم نساء وأطفال، وفق معطيات وزارة الصحة في صنعاء ورصد «القدس العربي»؛ علاوة على ما ألحقه من دمار في أعيان مدنية: مراكز صحية (حجة)، خزانات مياه (الحديدة)، أبراج اتصالات (إب)، مزارع (ذمار)، سيارات مواطنين (صعدة وصنعاء) أحياء سكنية (الحديدة) وغيرها.

مقابل ذلك لم تعلن الإدارة الأمريكية حتى اليوم، ماذا حققت ضرباتها المتوالية يوميًا في اليمن؛ إذ أن حملة ترامب العسكرية لم تفلح في تعطيل قدرات حركة «أنصار الله»(الحوثيون) التي كثفت هجماتها الصاروخية على إسرائيل «ردًا على الإبادة الجماعية في غزة»، بموازاة تكثيف هجماتها على القطع الحربية الأمريكية في البحر الأحمر ردًا على هذه الغارات.

مهما كان الاتجاه؛ فإن إزهاق أرواح المدنيين وتدمير الأعيان المدنية يجعل من التصعيد الأمريكي الراهن في اليمن جريمة مدانة وفقا لحسابات الضمير والانتماء الإنساني، مهما كانت سطوة الموقف السياسي.
يوما بعد آخر تتصاعد المواقف داخل الكونغرس الأمريكي الرافضة للضربات في اليمن، وبات بعض المُشرّعين اليمينيين والتقدميين أيضا، يتحدثون بصوت مرتفع ويقولون إن الكونغرس بحاجةٍ إلى تفويض أي ضرباتٍ في الخارج، بما في ذلك ضد الحوثيين.

أكتوبر الماضي، كانت الحملة الانتخابية لترامب في أوجها. وقتئذ لم يتحدث ترامب عن نية لاستئناف القصف في اليمن؛ بل كان حديثه واضحًا عن إحلال السلام؛ وكان يؤكد رغبته في إغلاق ملفات الحرب في الشرق الأوسط؛ حتى خلال لقائه بالجالية اليمنية في ولاية ميشيغان؛ فقد بث إليها حديثا لطيفًا ومطمئنًا؛ ولم يعلن أي نوايا لاستئناف حرب هنا أو هناك، بما فيها اليمن.

عقب توليه لمهامه الرئاسية رسميًا في يناير، تضمنت أوامره التنفيذية الجديدة قرارَا بإعادة تصنيف حركة «أنصار الله» (الحوثيون) «منظمة إرهابية أجنبية»؛ وهو قرار سبق واتخذه خلال ولايته السابقة، وألغاه جو بايدن في مستهل توليه منصبه.

في مستهل شباط/فبراير كان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هو أول رئيس أجنبي يلتقي ترامب بعد توليه منصبه الرئاسي لولاية ثانية في 20 يناير. لم يكن تبني ترامب الموقف الإسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مفاجئًا بقدر ما كان مفاجئًا لغته في توعد حركة «حماس» بالجحيم. وطالب الحركة بتسليم جميع الأسرى وجثث القتلى.

وقال في منشور: «’شالوم حماس يمكنكم الاختيار. أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن، وليس لاحقاً، وأعيدوا فوراً جثث الأشخاص الذين قتلتموهم، وإلا فسينتهي أمركم. فقط الأشخاص المرضى والمنحرفون يحتفظون بالجثث، وأنتم كذلك!».

وأكد الرئيس الأمريكي أنه سيدعم إسرائيل بكل ما تحتاجه «لإنهاء المهمة»، مضيفاً: «لن يكون أي عضو في حماس بأمان إن لم تفعلوا ما أقول». كما وجه رسالة إلى قيادة الحركة، داعياً إياهم لمغادرة غزة «بينما لا تزال لديهم فرصة».

في 15 مارس استأنفت المقاتلات الأمريكية غاراتها في اليمن؛ في عملية أطلقت عليها وزارة الدفاع «البنتاغون» اسم «رايدر الخشن»، وكان هدف العملية هو القضاء على قدرات حركة «أنصار الله» في سياق حماية الملاحة الدولية، وهو الهدف الذي تصاعد وصولًا إلى «القضاء عليها تمامًا»، وتراجعًا إلى مطالبة الحركة «بالكف عن الهجوم على السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر».

بدت غارات الجولة الثانية من القصف الأمريكي في اليمن مختلفة عن الغارات التي استمرت في الجولة الأولى عامًا خلال ولاية الرئيس جو بايدن، والتي انطلقت في 12 يناير 2024، وتوقفت مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس في 19 يناير 2025، وبناءً عليه توقف عمليات الحوثيين سواءً البحرية أو في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الاختلاف في غارات عملية «رايدر الخشن» عن غارات عملية «يوسيدون آرتشر» أن «رايدر الخشن» مصحوبة بتهديدات أمريكية قوية، وتكاد تكون شبه يومية؛ والأكثر أهمية هو تواتر وكثافة الغارات التي تتواصل بشكل يومي؛ لدرجة يصل عددها في بعض الأيام إلى أكثر من خمسين غارة.

خلال ثلاثة أيام من بدء العملية الأمريكية الجديدة في اليمن؛ استأنفت إسرائيل حرب الإبادة في غزة في 18 مارس، وأكد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن ثمة تنسيقا بين تل أبيب وواشنطن بشأن الغارات الأمريكية على اليمن.

على الرغم من استئناف عمليات الحوثيين العسكرية في عمق الأراضي المحتلة لم تعلن إسرائيل رغبتها في الرد في العمق اليمني، كما كانت خلال الشهور الأخيرة من العام 2025م.

انطلاقًا من ذلك يؤكد الحوثيون أن «العدوان الأمريكي على اليمن مرتبط بحماية العدو الإسرائيلي». وأن «العدو الأمريكي استبق استهداف اليمن رغبة في تعطيل قدرات اليمن باتجاه تنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي عقب استئناف حرب الأخيرة في غزة وإيقاف الحصار على ملاحتها في البحر الأحمر».

التصعيد الأمريكي في اليمن مستمر؛ وسرعان ما استهدف أعيانا مدنية وتسبب في قتل عشرات المدنيين في غاراته على الحديدة وصنعاء وذمار وإب وغيرها من المحافظات التي شملتها خريطة القصف.
  • كيف ينظر الحوثيون إلى هذا التصعيد؟
اعتبر زعيم حركة «أنصار الله»، عبدالملك الحوثي، الخميس، التصعيد والاستهداف الأمريكي للأعيان المدنية محاولة للضغط لكنها لن تنجح، قائلًا: «الأمريكي يحاول أن يكثف في عدوانه، وأن يضغط باستهداف الأعيان المدنية»، مشيرًا إلى أن «استهداف الأمريكي للأعيان المدنية يعني أنه فاشل في إضعاف القدرات العسكرية».

وذكر «أن العدو الأمريكي يحاول أن يضغط بكل ما يستطيع للتأثير على مستوى الموقف اليمني رسميًا وشعبيًا، ولذلك شن جولة جديدة من العدوان على بلدنا». واعتبر، «العدوان الأمريكي والتصعيد شاهدا على فاعلية الموقف اليمني ومدى تأثيره على العدو الإسرائيلي».

وقال: «الأمريكي بالرغم من كل تصعيده فشل في أن يؤمن من جديد الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي»، مؤكدًا أنه «لن يتمكن من تأمين ملاحة العدو ولن يوقف عملياتنا إلى فلسطين المحتلة»، مضيفًا أن «العدوان الأمريكي فاشل وسيبقى فاشلًا، لأنه في موقف البغي والطغيان، وهو يريد أن يفرض على أمتنا معادلة الاستباحة».
  • تدمير الكيانات الوطنية
انطلاقًا مما سبق، نذهب في مناقشة لواقع التصعيد الأمريكي من خلال معرفة ما حققه هذا التصعيد والعدوان الذي صار في أسبوعه الرابع، وما هي أهدافه الحقيقية، والتعرف إلى أسباب التصعيد بدءا من الأسبوع الثالث وصولًا إلى استهداف منازل وأحياء سكنية وأعيان مدنية، وإلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا التصعيد باتجاه الأحياء السكنية والأعيان المدنية، في حال استمرار القصف بدون تحقيق نتائج، بمعنى: ما احتمالات توسع الاستهداف المدني كوسيلة من وسائل الهروب الأمريكي من خيبة الأمل إن جاز الوصف، وما احتمالات تمدد هذا التصعيد إلى دعم واشنطن لتقدم بري بتعاون إقليمي وهل يمكن للإقليم أن يشارك في هذا الاتجاه، وما مخاطره، وهل يمكن أن يتوقف تصعيد واشنطن في اليمن تحت ضغط الكونغرس، وفي الأخير؛ ماذا عن مآلات هذا التصعيد على اليمن والمنطقة والعالم؟

يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، لـ«القدس العربي»: «لاشك أن القصف الأمريكي شبه المتواصل على مدى أسابيع قد طال العديد من المحافظات، وهو يتركز حول الأحياء المدنية، والمباني السكنية، ويزعزع الأمن والسلام والاستقرار في مدن محروبة ومحاصرة على مدى أكثر من عشر سنوات. والعدوان الأمريكي على صنعاء وصعدة وإب والحديدة والجوف نتائجه كارثية على بلد فقير ومحروب ومحاصر».

ويعتقد طاهر بشأن الأهداف الحقيقية للتصعيد الأمريكي في اليمن أنه «بغض النظر عن تصريحات الرئيس الأمريكي فإن إشعال الحروب في المنطقة العربية: في غزة ولبنان وسوريا واليمن، وتهديد مصر، غايتها تدمير الكيانات الوطنية، وتفكيك شعوبها، وتمزيق نسيجها المجتمعي، وإهلاكها بالحروب والعدوان وإذكاء الصراعات البينية والأهلية. وضعف المنطقة مصدر إغراء للمزيد من الحروب، خاصة مع الاستجابة لما تريده أمريكا وإسرائيل من قبل بعض الأنظمة العربية الصديقة والمطبعة».

وأشار عبدالباري طاهر إلى أن «غالبية القصف موجه ضد الأحياء السكنية والمنازل في المحافظات، التي طالها القصف طيلة الأسابيع الماضية، في صنعاء وصعدة وأبراج اتصالات في محافظات إب وعمران، وكذلك سيارات مواطنين. القصف الجوي متواصل، والقتلى كثيرون، والضحايا مواطنون مدنيون من النساء والأطفال والعجزة، كما يطال القصف البنية التحتية، والإنجازات البسيطة والمتواضعة للإنسان اليمني».

ويربط طاهر بين التصعيد الأمريكي في اليمن واستئناف حرب الإبادة في غزة: «واضح أن القصف المتواصل والعدوان المستمر مرتبط بحرب الإبادة في غزة وتدمير المخيمات في جنين وطولكرم ومناطق الضفة الغربية، واستمرار الحرب في لبنان وجنوب سوريا وتهديد مصر».

وقال: «للحرب في اليمن وعلى اليمن علاقة بما يسميه بيريز ونتنياهو وترامب بالشرق الأوسط الجديد، وتهجير الشعب الفلسطيني، ووضع المنطقة العربية تحت السيطرة الأمريكية والإسرائيلية المباشرة».

ويؤكد نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، «أن هناك ترابطا قويا بين حرب الإبادة في غزة والضفة الغربية والإصرار الأمريكي الإسرائيلي على التهجير وإبقاء المنطقة كلها على صفيح ساخن لإعادة ترتيبات المنطقة ضمن المخطط الأمريكي – الصهيوني، الذي يستهدف تدمير الكيانات القطرية، والعودة بالمنطقة كلها إلى مكوناتها الأولى متصارعة ومتعادية كطوائف وقبائل وإثنيات وجهات».

واعتبر أن «لإطالة القصف على اليمن وحرب الإبادة والمواجهة في لبنان واجتياح الجنوب السوري علاقة بنهج ترامب في تزعم العالم، وفرض الأتاوات عليه، كما هو مرتبط أشد الارتباط أيضاً بالصراعات داخل الكيان الإسرائيلي وهيمنة اليمين الصهيوني بجناحيه الديني والسياسي على الحياة العامة في إسرائيل».
  • ضغوط كبيرة
ويرى طاهرة أن «هناك ضغوطا كبيرة وشديدة على مصر والعربية السعودية للانخراط في الحرب على اليمن باسم حماية الملاحة الدولية والمصالح الوطنية لكلا البلدين: مصر قناة السويس، والسعودية عبور ناقلات النفط». وقال: «تدرك مصر أن أمريكا لا يهمها إلا الدفاع عن إسرائيل، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والتشارك مع إسرائيل في مخطط التهجير ويهودية الدولة الإسرائيلية من البحر إلى النهر، وتدمير الكيانات العربية وتأجيج الصراعات بين مكوناتها وبعضها البعض. كما تدرك مصر ما يُخطط لقناة السويس ومشروع القناة البديل قناة بن غوريون، وفرض إتاوات على الممرات الدولية».

وأردف: «وتجربة السعودية في حرب العشر سنوات على اليمن فادحة، وكلفتها باهظة. كما أن دفعها للمواجهة مع إيران لا تستفيد منه إلا إسرائيل، والمزيد المزيد من تبعات الحماية والتزاماتها، ولكن السؤال هل تستمر مصر في رفض تزايد الضغوط؟! وهل يدرك النظام السعودي مخاطر الحرب ضد الأمة كلها وضدها وضد شعبها؟!»

ويرى طاهر أن «ترامب يتصرف في السياسة الخارجية الأمريكية كمفوض من الشعب الأمريكي مباشرة، وواضح أن الطريقة التي عاد وفاز بها والحصول على الأغلبية في الكونغرس قد أشعرته بأنه يمثل الإرادة العامة لأمريكا سيدة العالم، وأنه مختار من الله لإنقاذ أمريكا، وفرض سيادتها على العالم، وشعار أمريكا أولا لا يختلف عن شعار هتلر عن الجنس الآري، ودعم الانجيليين له يوهمه بأنه مندوب عناية إلهية لا يختلف عن المسيح القادم أو المهدي المنتظر.

 فهو يتصرف كزعيم من زعماء بلدان العالم ما بعد الثالث، والفارق أنه يمسك بخناق العالم، ويتحكم في ثرواتها، ويقرر أو يفرض طغيانه على العالم، والترابط عميق بين ما يجري في منطقتنا والعالم. كما أن الحرب التجارية عبر فرض التعريفة الجمركية على بلدان العالم هي نهج إمبريالي للإفقار ونهب الثروات».

ويؤكد عبدالباري طاهر أن «الأثر بالغ الخطورة في التصعيد على اليمن والمنطقة والعالم، يتمثل في أن هذا التصعيد هو ما يحرص عليه نتنياهو واليمين الصهيوني؛ فتدمير اليمن المدمر بحروب أبنائه لا غاية له غير جر المنطقة والجوار الإقليمي إلى صراع شامل قد يمتد إلى العالم والنهج النازي يطبع توجهات اليمين الصهيوني والأمريكي».
  • مجرى الصراع
فيما يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، أنه «من الصعوبة بمكان تقييم الخسائر التي ألحقتها الضربات الأمريكية الراهنة بدقة، إلا أن الأهداف التي وضعتها القوات الأمريكية لم تتحقق حتى الآن.. والخسائر البشرية التي يتعرض لها الحوثيون يمكنهم احتمالها، وعلى صعيد استهداف المواقع العسكرية ومخازن السلاح رغم تغير استراتيجية العملية العسكرية الأمريكية الراهنة من الضربات الوقائية إلى العملية الهجومية الانتقامية، وباستخدام أسلحة متطورة يتم استخدامها لأول مرة، إلا أن هجمات الحوثيين على أهداف في البحر الأحمر ما زالت مستمرة، لكن هذا لا يعني عدم تأثر قدرات الحوثيين العسكرية، فالمرجح أن مخزونات سلاح الجو الحوثي قد تأثرت كثيرًا، لكن ليس إلى الحد الذي يحول دون قدرتهم على استهداف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فلدى الحوثيين من خبرة الحروب السابقة ما يمكنهم من الاحتفاظ بالكثير من القدرات العسكرية التي تتيح لهم استنزاف قوات البحرية الأمريكية لعدة أشهر قادمة».

وفيما يتعلق بالأهداف الحقيقية للتصعيد الأمريكي انطلاقًا من تصريحات ترامب يضيف لـ«القدس العربي»: «ليس لدى دونالد ترامب مبررات منطقية يمكن أن يقولها لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة، إذا سؤل عن جدوى وأهمية عمليته العسكرية ضد الحوثيين، فبقياس مخاطر الهجمات الحوثية على السفن الأمريكية التي تعبر البحر الأحمر مقارنة بالخسائر التي تتطلبها هذه العملية العسكرية، على افتراض أن السفن الأمريكية مستهدفة من قبل الحوثيين، فإن نسبة 5 في المئة من السفن التجارية الأمريكية فقط تعبر البحر الأحمر مقارنةً بـ40 في المئة من تجارة أوروبا، وبمنطق ترامب البراغماتي فإن هذه العملية العسكرية التي تتحملها الخزينة الأمريكية هي حرب تخوضها أمريكا نيابة عن أوروبا ودول جنوب البحر المتوسط ووسط وشرق آسيا».

وأردف: «وتصريحات ترامب بأن توقف العملية العسكرية مرهون بتوقف الهجمات الحوثية على السفن الأمريكية هي مغالطة واضحة، لأن الحوثيين كانوا وما زالوا يؤكدون أن السفن المستهدفة بهجماتهم هي السفن الإسرائيلية، وليس من مصلحتهم توسيع نطاق المستهدفين بهجماتهم على الملاحة.

أما مزاعمه بحماية الملاحة الدولية فهو خروج عن برنامجه الانتخابي الذي يتمحور حول أمريكا، ويعتبر الانفاق العسكري الأمريكي لحماية مصالح الدول الأخرى نوعا من الهدر لأموال الخزينة الأمريكية، والواقع أن ما يحرك ترامب يمكن تفسيره استنادًا لدوافع سيكولوجية أكثر منها سياسية، فالرجل مسكون بما يمكن تسميته (متلازمة بايدن)، فهو يرى أن جو بايدن خاض هذه الحرب وعجز عن الانتصار فيها رغم الفارق الهائل في القوة، ويعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر سهل على الحوثيين يظهر من خلاله تميزه عن غريمه جو بايدن، ويلوي من خلاله ذراع طهران، لجرها نحو طاولة المفاوضات بشروطه، المتمثلة في منح أمريكا صفقات اقتصادية في مقابل عدم استهداف إيران ومنشآتها النووية والاستراتيجية عسكريًا». ويعتقد غانم أن «استمرار الحوثيين في استهداف السفن والبوارج الحربية الأمريكية سيظل يشكل مصدر إحراج للإدارة الأمريكية الحالية ويدفعها لتنويع الأهداف، فإلى جانب استهداف مخازن السلاح والمواقع العسكرية سيزداد الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية لاستهداف قيادات عسكرية ميدانية، الأمر الذي يجعل الأعيان المدنية والمركبات والبنى التحتية عرضة للاستهداف».

ويستبعد حدوث سيناريو تقدم بري «فدوافع الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بهذه العملية العسكرية مغامرة كان يمكن تجنبها، وعلى المدى الطويل قد تمثل استنزافا يصعب تحمله، أما قيام الجيش الأمريكي بدعم الجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دوليًا لخوض معركة برية فمستبعد، ليس فقط لأن السعودية حريصة على استتباب الأمن في حدودها الجنوبية، وغير مستعدة لخرق الهدنة الحالية مع الحوثيين بل لأن الولايات المتحدة تتجنب الغرق في مستنقع الحرب في اليمن بعد عدة تجارب فاشلة خاضتها في العراق وأفغانستان آلت الأولى لمصلحة إيران وتمدد نفوذها الاقليمي وآلت الثانية لسقوط الحكومة وعودة طالبان، الجماعة الاسلامية المتطرفة، للحكم من جديد».

وماذا عن إمكانية توقف التصعيد الأمريكي تحت ضغط الكونغرس الرافض بعض أعضائه لهذه الحرب…يقول عبدالكريم غانم: «ليس من المعتاد أن يرضخ الرؤساء الأمريكيون للكونغرس، لا سيما وأن تمويل هذه الحرب ليس بحجم تمويل حرب ضد قوى عظمى، فتحمل تكاليف العملية العسكرية وفق قواعد الاشتباك الحالية مقدور عليه لدى ترامب المفتون بقوة أمريكا وعظمة جيشها، بما يحمله في أجندته من نزعة قومية ومطامح توسعية».

ويتوقع غانم أن «استمرار هذا التصعيد سيسهم في تفاقم معاناة اليمنيين من خلال الحصار المتوقع والقيود التي ستطرأ أمام تدفق حركة السلع الأساسية، وتضاعف كلفة نقل البضائع، كما سيسهم تصاعد الصراع في اتساع الفجوة بين الأطراف السياسية اليمنية، ويغلق الباب أمام أي سيناريو محتمل للحوار بين الأطراف اليمنية المتصارعة.

علاوة على أن تصاعد هذا الصراع قد يحول دون استمرار الهدنة الهشة بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى تأثيراته في رفع تكاليف سلاسل الإمداد في الملاحة الدولية، بالتوازي مع الأزمة المالية المتوقعة جراء فرض التعرفة الجمركية الأمريكية على معظم دول العالم، وفي حال وصول المحادثات الأمريكية الإيرانية غير المباشرة في مسقط إلى طريق مسدود قد يتحول هذا التصعيد العسكري إلى حرب أوسع».
  • أمن إسرائيل
عادل دشيلة، وهو باحث في المركز الشرق أوسطي للأبحاث في جامعة كولومبيا، يرى أنه من الصعوبة الحديث عما حققه التصعيد الأمريكي، خصوصًا وأن الضربات ما تزال تستهدف بعض المواقع العسكرية والمناطق المدنية، كما حصل في عمران وصعدة وفي العاصمة والحديدة. «فيما يخص الأهداف الحقيقية للتصعيد فهناك عدة أهداف لواشنطن، الهدف الأول إضعاف فواعل ما دون الدولة، التي هي حليفة لإيران بدءًا من لبنان واليمن وسوريا وربما مستقبلًا في العراق؛ لكي تكون إيران بلا أجنحة، وتستطيع أن تفرض شروطها على طاولة التفاوض.

إذن إضعاف الموقف الإيراني في حال تم التوصل إلى اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. الهدف الثاني تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وخصوصًا المصالح الأمريكية. والهدف الثالث إرسال رسالة لهذه الأطراف، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ستحافظ على أمن إسرائيل، وأن أمن إسرائيل خط أحمر. هذا باعتقادي هي الأهداف الثلاثة الاستراتيجية للإدارة الأمريكية. ما دون ذلك تحدث عنه وزير الدفاع الأمريكي بصحيح العبارة، قائلا إنهم لا يهتمون بما يحدث داخل الأراضي اليمنية بقدر ما يهمهم مصالحهم الاستراتيجية في البحر الأحمر، وما شابه ذلك.

ربما يزيد التصعيد خلال المرحلة القادمة من خلال توسيع الاستهداف، لكن الإدارة الأمريكية لا توجد لديها معلومات دقيقة عن الأهداف العسكرية، وبالتالي الأخطاء الكارثية واردة في هذا الشأن، وقد نرى استهدافا مباشرا للمدنيين من أجل الضغط. لكن هذا التصعيد مرتبط بما سينتج عن الحوار الإيراني الأمريكي؛ فإذا تم التوصل إلى تفاهمات إيرانية أمريكية فهنا بالإمكان أن ينخفض التصعيد الأمريكي؛ لأنه ستكون هناك تسوية، أما إذا فشل هذا الحوار فإن التصعيد سيكون أكثر قوة».

فيما يتعلق بمآلات هذا التصعيد يقول لـ«القدس العربي»: «هناك عدة سيناريوهات. السيناريو الأول بالإمكان في حال تم التوصل إلى نوع من الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية أن ينخفض التصعيد بشكل كبير. والسيناريو الثاني أن توقف إسرائيل العملية الهمجية البربرية ضد الأبرياء في فلسطين، في غزة على وجه التحديد والضفة. وهذا سيفتح الباب لتفاهمات أو لحوارات أكبر حتى مع الفواعل المحلية في المنطقة بشكل عام. والسيناريو الثالث استمرار التصعيد العسكري. ولكن هذا غير وارد من خلال نبرة الرئيس الأمريكي مؤخرًا؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تتورط في حرب كبيرة في المنطقة. ويبدو أنها أوعزت للكيان الصهيوني بضرورة إنهاء العمليات العسكرية فوراً في قطاع غزة. لأنها ستتأثر وحتى حلفائها في الإقليم سيتأثرون؛ وبالتالي لا مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية من التصعيد».

ماذا عن موقع الأزمة اليمنية مما يحصل؟ يقول دشيلة: «أقولها بكل أسف أن الأزمة اليمنية لم تعد شأنًا يمنيًا فقد تداخلت فيها المصالح الدولية والإقليمية؛ ما يعني أنه لا يمكن تحقيق سلام في اليمن بدون إيجاد تهدئة وتسوية على مستوى المنطقة. ولا يمكن تحقيق السلام بالقطعة في اليمن أو تحقيق سلام جزئي بدون تحقيق سلام في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، أي أن الأزمات متشابكة، وتحتاج إلى تفاهمات إقليمية ودولية».
  • وبعد
مما سبق؛ فان التصعيد الأمريكي في اليمن يمثل تحديًا للمنطقة وتهديدًا لها في آن بقدر ما يمثل استدراجا لواشنطن، كما يمثل إمعانًا في تعميق المأساة اليمنية؛ عوضًا عن توسيع الهوة بين الأطراف اليمنية نفسها؛ وبالتالي مزيدا من تعقيد الحل؛ وقبل ذلك ما زال هذا التصعيد مرشحا للمزيد؛ وفي نفس الوقت ثمة احتمالات بتراجعه وتوقفه؛ ويبقى إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة وفتح المعابر هو مفتاح الحل قبل أن يكون استشرافه في مشاورات مسقط.
عن «القدس العربي»