​لم تكن القضية الجنوبية طارئة النشأة، ولا عابرة في مسار التاريخ السياسي للمنطقة، بل هي قضية شعب وهوية ووطن سُلب قسرًا، فنهض أبناؤه منذ مطلع الألفية الجديدة بحراكٍ سلميٍّ حضاريٍّ عبّر عن تطلعات الجنوب في استعادة دولته وهويته وسيادته على أرضه. منذ انطلاق الحراك السلمي الجنوبي في عام 2007، شكّل الجنوبيون لوحة نضال متقدمة اتسمت بالسلمية والإرادة الشعبية، وواجهوا آلة القمع والإقصاء بمزيد من الصمود والإصرار.

وفي مايو 2017، وُلد المجلس الانتقالي الجنوبي من صميم هذا الحراك، ليتحول من حركة شعبية إلى كيان سياسي منظم، حمل راية مشروع الاستقلال، ونال التفويض الشعبي الكامل ليكون المعبّر السياسي عن تطلعات الجنوب. لم يكن ظهوره مجرد محطة سياسية، بل بداية لمرحلة جديدة من التنظيم، وفرض الواقع، وقيادة العمل الوطني الجنوبي نحو أفق الدولة.

لقد أدرك المجلس الانتقالي أن المعركة لا تقتصر على السياسة وحدها، بل تشمل مختلف الجبهات. ففي ظل حرب اقتصادية شرسة تُشن على الجنوب، عمد المجلس إلى التخفيف من معاناة الشعب الجنوبي بكل الوسائل الممكنة، فعمل على دعم الخدمات، وتثبيت الاستقرار المالي والإداري، ومواجهة الانهيارات الاقتصادية المتكررة، والتصدي لمحاولات تجويع الشعب، وفضح المتسببين في ذلك أمام الرأي العام المحلي والدولي.

وعلى المستوى الأمني والعسكري، لعبت القوات المسلحة الجنوبية دورًا محوريًّا في حفظ الأمن وحماية مؤسسات الدولة، وساهمت في طرد الإرهاب من الجنوب، وأفشلت مخططات التسلل والعبث في جبهات الضالع وشبوة وأبين ولحج. ولم تكن هذه القوات أدوات دفاع فحسب، بل كانت صمام أمان للمدنيين، وسندًا للمجلس الانتقالي في معركة بناء الجنوب الجديد.

وفي سياق تعزيز الصف الجنوبي، أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي حوارًا وطنيًا شاملًا، جمع مختلف المكونات والشخصيات الجنوبية، وانتهى إلى إعلان الميثاق الوطني الجنوبي، الذي مثّل مرجعية جامعة ورؤية وطنية واضحة، تضمن التمثيل العادل والشراكة في القرار، وتحترم خصوصيات المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها حضرموت التي حظيت بما لم تحظَ به في أي مشروع سياسي سابق. وفي المقابل، لم تتوقف القوى المعادية للجنوب عن محاولاتها الحثيثة للنيل من المشروع الوطني الجنوبي، فتوزعت أدواتها بين مكونات هشة أُنشئت خصيصًا لإرباك المشهد، وشخصيات استُدرجت لتشكيل كيانات تدعي تمثيل الجنوب، بينما هي في حقيقتها واجهات للمشاريع اليمنية الفاشلة، تهدف إلى تشتيت الصف الجنوبي، وتفريغ القضية من مضمونها، وكان أخر هذه التحركات ما أقدم عليه الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، بدعوته لاجتماع قبلي تصعيدي في الهضبة، في محاولة للانقلاب على إرادة أبناء حضرموت، والسير بها نحو مشروع اليمن الاتحادي، متجاهلًا أن حضرموت كانت وستظل جزءًا أصيلًا من النسيج الجنوبي، وأن الميثاق الوطني الجنوبي منحها من الخصوصية والتمكين ما لم تمنحه لها أي مشاريع أخرى.

إن هذا الحراك المعادي، الذي تتزعمه شخصيات وقوى ارتبطت بالمركز اليمني، يسعى لتقسيم الجنوب وإظهاره ككيانات متناحرة، خدمة لمشاريع الهيمنة القديمة ،لكنه يصطدم اليوم بواقع جديد، عنوانه الجنوب الموحد خلف قضيته، والمتيقظ لمحاولات اختراق صفه، والمُجمع على أن المجلس الانتقالي هو ممثله الشرعي، وقائد مشروعه التحرري.

إن استعادة الدولة الجنوبية ليست حلمًا مؤجلًا، بل مشروع نضالي يتقدم بخطى ثابتة، وسط معارك معقدة، وشعب يعي تمامًا من يقف في صفه، ومن يتربص بقضيته. وكل من يحاول اليوم إسقاط راية الجنوب، إنما يسقط نفسه خارج التاريخ، وخارج ضمير الشعب الجنوبي، وأن من يحاول إسقاط راية الجنوب، فليعلم أن هذه الراية لا تسقط بإسقاط كيان، بل تحتاج لإسقاط شعب، وهذا ما لن يكون.