في هذا المنعطف الحاسم من تاريخ حضرموت، ومع اقتراب الذكرى العاشرة لتحرير ساحل حضرموت على يد أبطال قوات النخبة الحضرمية، أطلّ علينا الأخ أكرم العامري نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة والأمين العام لمؤتمر حضرموت الجامع بنداء مفتوح على منصة X، قد يبدو للبعض حريص، لكنه في عمقه يكرّس سردية الحياد والانعزال، ويسعى لتصوير حضرموت كمنطقة تتوسط الصراع بدلًا من أن تكون طرفًا أصيلًا فيه وهي محاولة لن تمر، ولا ينبغي أن تمر، بصمت.

إن من حرر المكلا من قبضة الإرهاب لم يكن قوة عابرة، بل هم رجال النخبة الحضرمية، الذين خرجوا من صلب الأرض الجنوبية، واندمجوا في نسيجها الوطني، وسجّلوا ملاحم الانتصار لا بالولاء السياسي العابر، بل بالإيمان العميق بهوية حضرموت وعمقها الجنوبي وقد جانب العامري الصواب حين وجه نداءه لأبطال النخبة الحضرمية بلغة توحي وكأنهم بحاجة لتذكير بشرفهم العسكري، وكأنهم معرضون للانجرار خلف مشاريع سياسية مدمرة، والحقيقة أن النخبة الحضرمية لم تكن يومًا محل شك أو تردد، بل ظلت صخرة صلبة في وجه الإرهاب، وقوة منضبطة في خدمة أمن حضرموت والجنوب على حد سواء فهي لا تتبع المزاج السياسي، بل تنتمي لدماء الشهداء الذين عبدوا طريقها.

أما النداء الموجّه للسلطة المحلية والمحافظ، فجاء بلغة تحاول الإيحاء وكأن الخطر قادم من الداخل الحضرمي، في حين أن الجميع يعلم أن التحدي الحقيقي أمام حضرموت ليس في تباين الآراء داخلها، بل في مشاريع خارجية تحاول إعادة إنتاج المركزية، وتهميش القرار الحضرمي، وسحب البساط من الإرادة الجنوبية الجامعة وتحديدًا في ندائه إلى قيادة المجلس الرئاسي، بدا العامري وكأنه يوزّع اللوم بالتساوي بين جميع الأطراف، متغافلًا أن فشل السلطة المركزية في التزاماتها، وتخبطها في التعامل مع الملف الحضرمي، هو ما فجّر هذا الاحتقان المتراكم، وهو ما يهدد السلم، لا إيمان أبناء حضرموت بالدولة أو تمسكهم بالنظام.

أما في رسالته إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد حاول العامري بخطاب مموّه أن يُملي حدود الشراكة، وكأن الانتقالي "طارئ" على حضرموت، أو دخيل على أرضها، متجاهلًا أن هذا المجلس هو نتيجة نضال طويل شارك فيه أبناء حضرموت قبل غيرهم، ودفعوا ثمنه من دمهم وأمنهم واستقراره وأن الشراكة لا تعني التنصل من الهوية، ولا تعني أيضًا أن تُختزل حضرموت في خطابات رمادية ترضي الجميع وتخدع الجميع.

وعندما خاطب العامري الحلف القبلي ومؤتمر حضرموت الجامع، وضع نفسه بينهم كندٍ وصاحب نوايا، لكن النوايا وحدها لا تكفي إن لم تتجسد في موقف صريح وواضح فحضرموت اليوم لا تحتمل رمادية المواقف، فإما أن تكون مع إرادتها الحرة المتصلة بالمشروع الجنوبي، أو أن تكون في صف الصمت المريب الذي يخدم أعداء هذا المشروع.

ثم جاء نداؤه الأخير لدول التحالف العربي، ليُظهر احترامًا، وفي الوقت نفسه يطلب التدخل والتقويم والتصحيح، لكنه أغفل أن أبناء حضرموت اليوم لا ينتظرون من يصوّب مسارهم، بل من يوقف التدخلات التي تعيق اكتمال مشروعهم الوطني الجنوبي، والذي كانت قوات النخبة الحضرمية أول من جسّده ميدانيًا على الأرض.

إن حضرموت، وهي تتهيأ لتحتفل بذكرى تحرير ساحل حضرموت على أيدي رجال النخبة الحضرمية، لا تحتاج لخطابات تدعوها للانكماش، أو التراجع، أو الوقوف في المنتصف بل تحتاج لمواقف ترتقي إلى تضحيات رجالها، وإلى شجاعة قرارها، وإلى وعي شعبها الذي أدرك أن الأمن والاستقرار والسيادة، لا تأتي من الحياد، بل من الانتماء الواضح، والموقف الشجاع، والإيمان العميق بأن الجنوب لن يكون جنوبًا حرًّا، إلا بحضرموت شامخة، ورايتها مرفوعة.

أخيرًا، نقولها بصوت واحد، حضرموت ليست ورقة تفاوض ولا صندوق بريد لتبادل الرسائل السياسية، حضرموت شراكة، حضرموت عمق استراتيجي للجنوب ولها خصوصيتها في إطار دولة جنوبية فيدرالية، وأن النخبة الحضرمية خط أحمر، تمثل فخر أبناء حضرموت والجنوب معًا وأن أي خطاب يحاول تفكيك هذا النسيج أو محاولة تصوير حضرموت وكأنها تغرد خارج السرب الجنوبي، فهو يخدم أجندات خارجية، ويزرع الفتنة بين أبناء الجسد الواحد وسنحمي حضرموت كما نحمي عدن، وسنقف للنخبة الحضرمية كما نقف إلى جانب قوات العاصفة والصاعقة، وسنحفظ شراكتنا كما نحفظ دماء شهدائنا فحضرموت جنوبية الهوى والهوية وستبقى كذلك.