> أحمد مثنى علي:

مبدأ مسؤولية الحماية "Responsibility to Protect (R2P)" مبدأ أممي أُقرّ عام 2005 خلال القمة العالمية للأمم المتحدة، يهدف إلى منع الجرائم الجماعية مثل الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية.

يقوم مبدأ "مسؤولية الحماية" على ثلاث ركائز أساسية:

المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة نفسها لحماية مواطنيها من الجرائم الأربع المذكورة أعلاه.

إذا كانت الدولة غير قادرة على حماية شعبها، فعلى المجتمع الدولي أن يساعدها في بناء قدراتها، مثل تقديم الدعم السياسي، أو المساعدات الاقتصادية، أو التدريب الأمني، أو إعادة تأهيل المجتمع وإعادة البناء والإعمار.

إذا فشلت الدولة في حماية مواطنيها أو كانت هي المرتكبة لتلك الجرائم، يصبح من حق المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن، التدخل بوسائل دبلوماسية، وإنسانية، وفي حالات قصوى بوسائل عسكرية لحماية السكان المدنيين.

لا يُعتبر هذا المبدأ مبرراً للتدخل العسكري التعسفي أو لتغيير الأنظمة، وفي حالة التدخل العسكري الخارجي يجب بالضرورة أن يكون مستنداً إلى تخويل صريح بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

بموجب القانون الدولي فانه لا حصانة لمن يتحكم بمصير الشعوب ووفقاً لمبدأ واجب الحماية، فإن أي طرف يمارس سلطة فعلية على أرض ما سواء كان دولة أو تحالفاً عسكرياً، يكون ملزماً بالضرورة تأمين الخدمات الأساسية للسكان، وضمان عدم تعريضهم للمعاناة الجماعية أو العقاب الجماعي وإلا فإن سلوكه يدخل في خانة الانتهاكات الجسيمة بل وقد يرقى إلى جرائم إنسانية تستوجب المساءلة الدولية.

بما أن اليمن خاضع لـ "البند السابع" من ميثاق الأمم المتحدة تحت القرار 2216 الذي خول للتحالف التدخل في اليمن، فإن مجلس الأمن والأمم المتحدة هما المسؤولان أيضاً عن مراقبة أداء التحالف والسلطات المحلية، وضمان ألا تتحول حالة الحرب إلى غطاء للإفلات من العقاب أو لتقويض حقوق الإنسان.

ظهر مبدأ "مسؤولية الحماية" كرد فعل على فشل المجتمع الدولي في منع مجازر كبرى في التسعينيات، مثل:

الإبادة الجماعية في رواندا (1994) التي قُتل فيها نحو 800,000 شخص.

مجزرة سربرنيتسا في البوسنة (1995) رغم وجود قوات حفظ السلام.

كانت هذه الفظائع دليلاً على عجز النظام الدولي عن حماية المدنيين من الجرائم الجماعية، ما حفّز تطوير مبدأ R2P لضمان عدم تكرارها.
  • تطبيقات تاريخية للمبدأ R2P
طبق هذا المبدأ فعليا في الحالة الليبية، حيث تحرك مجلس الأمن لأصدر القرار 1973 الذي سمح بـ "جميع الوسائل اللازمة" لحماية المدنيين من خلال تدخل عسكري بقيادة الناتو أدى إلى سقوط النظام.

أما في سوريا فقد كان النظام السوري متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية باستخدام أسلحة كيميائية وقصف المدنيين، لكن مجلس الأمن بقي عاجزا عن التدخل بسبب الفيتو الروسي والصيني المتكرر ولهذا قد واجه المبدأ R2P شللًا فعليًا في التطبيق.

في كوت ديفوار (ساحل العاج) عام 2011، حيث نشب صراع دموي بعد الانتخابات بين الرئيس المنتهية ولايته "لوران غباغبو" والفائز "الحسن واتارا". حينها تحركت الأمم المتحدة وقامت فرنسا بتدخل عسكري مباشر لدعم نتائج الانتخابات ومنع ارتكاب جرائم ضد المدنيين.

وكان أن ألقي القبض على غباغبو وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.

في مينمار حدثت حملة تطهير عرقي من قبل الجيش ضد أقلية الروهينغا المسلمة، حيث تعرضوا للإبادة مما جعل مئات الآلاف منهم الفرار إلى بنغلاديش. حينها اكتفى المجتمع الدولي بالإدانة الواسعة، لكن لا يوجد تدخل مباشر بسبب حماية الصين لميانمار في مجلس الأمن.

بالنظر إلى الحالات التي جرى فيها تطبيق مبدأ R2P يتضح أن هناك تحديات تواجهه كما أن هناك انتقادات لازدواجية المعايير في تطبيقه، حيث يُستخدم في بعض الحالات ويتم تجاهله في أخرى لأسباب سياسية منها الفيتو في مجلس الأمن، حيث يقوم بتعطيل التطبيق في حالات واضحة (كما في سوريا وميانمار)، أيضا تخوف الدول من استغلال المبدأ للتدخل السياسي والعسكري. كما أن ضعف آليات الردع المسبق مثل ضعف قدرة الأمم المتحدة على التدخل المبكر قبل تفاقم الأزمات.

رغم التحديات يشكل مبدأ R2P تقدماً أخلاقياً وقانونياً في القانون الدولي لأهميته في إعادة التعريف للسيادة على أنها مسؤولية لا مجرد حق، عوضا عن أنه يمنح الأمل في حماية الشعوب من الفظائع الجماعية، وإن لم يُطبق دائماً بنجاح.
  • مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) في السياق اليمني
لفهم سبب عدم تفعيل مبدأ R2P في اليمن، يجب الأخذ بعين الاعتبار تداعيات الحرب وطبيعة التناقضات المحلية (جنوب - شمال اليمن) المرتبطة بها، إضافة إلى تدخلات الأطراف الخارجية (التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، وإيران).

منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، وقعت انتهاكات جسيمة ضد المدنيين من مختلف الأطراف، شملت:

قصف عشوائي للمناطق السكنية (من قبل الحوثيين وقوات التحالف)، حصار وتجويع ممنهج، اعتقالات وتعذيب وإخفاء قسري، انتهاك حقوق الأطفال والنساء، هجمات على المستشفيات والمدارس، وضع إنساني وصف لاحقاً من قبل الأمم المتحدة بأنه الأسوأ في العالم. كلها أعمال تندرج ضمن الجرائم التي يسعى مبدأ مسؤولية الحماية لمنعها أو وقفها.
  • لماذا لم يُفعَّل مبدأ R2P في اليمن؟
ربما يعود ذلك إلى عدة عوامل:

تشظي الدولة وفقدان الشرعية الواضحة، لا توجد سلطة مركزية قادرة على حماية المدنيين، هناك تعدد في القوى:

الحوثيون، الحكومة المعترف بها، المجلس الانتقالي الجنوبي، قوات طارق صالح، حزب الإصلاح، وفوق كل ذلك جماعات إرهابية تقتل وتعبث بتكليف (القاعدة - داعش).

إنه يلحظ الانقسام في المجتمع الدولي المتردد بسبب التعقيد السياسي، خاصة مع الدور السعودي والإماراتي من جهة، وإيران من جهة أخرى. هذا يؤدي إلى فيتو ضمني؛ فالدول الكبرى مترددة في دفع مجلس الأمن نحو تدخل مباشر، خاصة مع تقاطع مصالحها. بالإضافة إلى توظيف عامل "السيادة" كحاجز ويستخدم كذريعة لعرقلة أي تدخل أممي حقيقي لحماية المدنيين، بالرغم من انهيار أجهزة الدولة، وضعف الضغوط الحقوقية الدولية.

معظم الإدانات الدولية تكتفي بالشجب اللفظي دون تفعيل أدوات حقيقية للردع أو المحاسبة.

وهذا الأمر يدعو للاستغراب فقد تم تفعيل مبدأ R2P في مفارقة أخلاقية صارخة في ليبيا مثلا، رغم أن عدد الضحايا حينها كان أقل بكثير من الأرقام اللاحقة في اليمن.

وفي اليمن بعد عشر سنوات من الحرب والمعاناة الإنسانية الكبرى التي أدت إلى مئات الآلاف من الضحايا المباشرين وغير المباشرين، لم يُستخدم المبدأ بشكل جاد ما يكشف عن ازدواجية المعايير وتسييس أدوات الحماية الدولية.
  • ويبقى السؤال، هل يمكن تفعيل المبدأ في المستقبل القريب؟
نظرياً، نعم يمكن ذلك، لكن عملياً هناك عدة شروط لازمة:

لابد من توافق دولي صريح على أن الوضع في اليمن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية يتطلب تحقيق اختراق في مجلس الأمن لإصدار قرارات مُلزمة.

إشراك الأطراف المحلية والمكونات الجنوبية بوضوح ضمن أي مشروع حماية يتم تبنيه، والابتعاد بالضرورة عن فرض حلول خارجية لا تراعي تعقيدات الواقع اليمني والهوية الجنوبية.
  • الخلاصة
رغم أن اليمن يقدّم حالة نموذجية تستدعي تطبيق مبدأ "مسؤولية الحماية"، فإن المصالح الدولية، وغياب الإرادة السياسية، وتعقيد التوازنات الإقليمية، تحول دون تفعيله بشكل فعّال.

ومع ذلك، يُمكن للمجتمع المدني والناشطين والسياسيين الدفع نحو إعادة تسليط الضوء على هذا المبدأ، للمطالبة بمحاسبة مرتكبي الجرائم، والدفع باتجاه حل سياسي عادل وشامل يحترم الحق الجنوبي وينهي معاناة المدنيين جنوبا وشمالا.

حين تتعثر السياسات الرسمية، وتزداد معاناة الناس دون أي أمل في الأفق ويطول تجاهل وصمت المجتمع الدولي، لا يبقى أمام شرفاء الوطن إلا صوت الشعب في اليمن شماله وجنوبه، وضمير الأحرار في هذا العالم. فربما يؤدي أي تحرّك شعبي مدني، يقوده ناشطون سياسيون، حقوقيون، إعلاميون، ومثقفون، وقيادات المجتمع المدني من أحرار ورجال اليمن شمالاً وجنوباً، بمساندة أصدقاء من حول العالم إلى تشكيل جبهة ضمير تنادي بحماية الإنسان اليمني من القتل والجوع والانتهاك، أياً كان انتماؤه ومكانه.

إن دماء الأبرياء ودموع الأمهات وصرخات الأطفال، لا تعرف الجنوب ولا الشمال، بل تعرف فقط الظلم والحاجة إلى العدالة.

من هنا، فإن واجباً أخلاقياً ووطنياً يدعو ضمير كل وطني حر أن يتحرك لإطلاق حملة مدنية إنسانية، تنقل معاناة المستضعفين عامة إلى العالم، وتخاطب البرلمانات، والمنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام الحرة، لتقول بأن اليمنيين يستحقون الحياة، والحماية، والكرامة.

قد لا يأتي الإنصاف من الحكومات، لكنه قد يأتي من ضمير العالم حين يتم إيقاظه، ومن صوت شعبي صادق لا يخاف ولا يجامل ولا يساوم.
  • من عدن الباسلة تبدأ المحاسبة
عدن اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل رمز لفشل مركب فشل إقليمي، وفشل محلي، وصمت دولي مخزٍ. وعلى جميع الأطراف، من التحالف إلى الشرعية، ومن المجلس الانتقالي إلى المجتمع الدولي، أن يدركوا أن الشعب لم يعد يحتمل المزيد من التجاهل والتجريب.

لقد آن الأوان لتحويل هذا الوضع من مأساة صامتة إلى قضية رأي عام محلي ودولي، تُطرح مجدداً وبإرادة وطنية على طاولة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، بوصفها قضية تتعلق بحياة الملايين وكرامتهم، لا بنفوذ اللاعبين أي كانوا أو حساباتهم السياسية. الناس في اليمن تعبت وعلى السياسيين أن يستوعبوا ذلك.

تجدر الإشارة إلى وجود قرارات سابقة تحكم الصراع (مثل القرار 2216)، لكنها تركز فقط على دعم "الشرعية" أكثر من حماية المدنيين.

إن عدم تفعيل مبدأ R2P في اليمن حتى اليوم يعود إلى اعتبارات رجال السياسة وأمور قانونية معقدة. وبما أن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة يُخوّل مجلس الأمن باتخاذ تدابير (قد تشمل استخدام القوة) لمواجهة ما يعتبره تهديداً للسلم والأمن الدوليين.

فإن مبدأ R2P مبدأ سياسي وأخلاقي، وليس قانوناً ملزماً بحد ذاته، لكنه قد يُستخدم كمسوّغ لتفعيل البند السابع، عندما تكون هناك جرائم فظيعة ترتكبها دولة ضد شعبها أو عند فشلها في حمايتهم.

اليمن واقع منذ أكثر من عشر سنوات تحت البند السابع، وهنا تقع المسؤولية على اللجنة الرباعية أن تأتي بحلول جدية وسريعة للناس، طالما الفشل مصاحب للسياسيين بمختلف مكوناتهم الوطنية.
  • هل تبني R2P سيجلب لليمن أي حلول للأوضاع المعقدة؟
إن تبني مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) حتى لو كان تطبيقه سيواجه بتحديات هائلة، لكنه في حالة اليمن سيمثل خطوة رمزية وقانونية وأخلاقية هامة للغاية. قد لا يضمن حلاً فورياً لجميع المشاكل، لكنه سيغير الإطار الذي يُنظر من خلاله إلى الصراع، ويرفع سقف المطالب بالمساءلة والحماية ويضع ضغطاً أكبر على الفاعلين الدوليين والمحليين للتحرك بمسؤولية أكبر تجاه المدنيين. إنه بمثابة إعلان واضح بأن الصمت والتجاهل لم يعد مقبولاً أخلاقياً أو قانونياً.

سيزداد الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القصف العشوائي والحصار والتجويع والانتهاكات الأخرى التي تقع على المدنيين. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعديل سلوك هذه الأطراف خوفًا من تبعات التدخل الدولي.

مبدا R2P لا يقتصر على التدخل العسكري بل يمكن أن يفتح الباب أمام تعزيز المساعدة الإنسانية، وبرامج بناء القدرات للدولة (إذا كان هناك كيان يمكن العمل معه)، أو حتى مبادرات بناء السلام والوساطة القوية لمنع تفاقم الأزمة.

والتركيز على حماية المدنيين كأولوية بدلاً من التركيز على دعم "الشرعية" أو موازين القوى السياسية فقط (كما هو الحال مع القرار 2216 حالياً)، سيصبح حماية حياة المدنيين وكرامتهم هي الأولوية القصوى والهدف المحوري لأي جهود دولية.

* "الولايات المتحدة الأمريكية"