يا من تراقبون المشهد من شرفات الانتظار، أو تتقلبون في أسرّة القهر والفقر والتهميش، سلامًا على وعيكم المغتال، وعلى أحلامكم المؤجلة إلى حين ميسرة.
دعونا نحدّق اليوم في وجه المؤامرة، لا بوصفها طيفا غامضا، بل كمنظومة حية تُدار أمام أعيننا، بأدواتٍ لا تخجل، وبتقنياتٍ خبيثة، تبدأ من الدماغ وتنتهي ب"قرص الروتي" مرورًا ب "دبة الغاز المنزلي".
الإعلام في أوطاننا لا يعلّمك كيف تفكر، بل كيف تستهلك التفكير الجاهز.
تحاصَرك الشاشات بين مسلسل تاريخي يمجد أناسًا لا نعرفهم، بل أنهم لم يتركوا لنا أثرا نستفيد منه غير الفتن والخزي والعار، وبرنامج غنائي مدمّر، ونشرات تبكي عليك أكثر مما تبكيك.
فلا أحد يسأل، من يختار ما نراه؟ ولماذا نراه؟ ولِمَ لا نرى الحقيقة إلا في لقطاتٍ مسربة من الزمن الجميل؟
التعليم الذي يفترض أن يكون طريقًا إلى المستقبل، حُول إلى نفقٍ مظلم لا نهاية له.
الطالب يُعلَّم أن يطيع، لا أن يسأل، أن يغش، لا أن يُبدع.
مدارس تُخرج آلاف العقول البليدة، وتُكرّس فكرة أن المعرفة رفاهية لا حاجة للفقراء بها.
حين يستَخدَم الدين كعصا ترهيب لا تأديب، ولا حتى كمصدرٍ لتحرير العقل، فاعلم أن الخطر صار مؤسسيًا بامتياز.
تروّج فتاوى تقنّن الظلم، وتبرّر الطغيان، وتطلب من الفقير أن يرضى بما قسمه له "الواقع السياسي"، لا ما قسمه الله له.
يُطلب من الجائع أن يصبر ويصابر، ومن المقهور أن يشكر، ومن المظلوم أن يسلم باسم الله زورًا.
الاقتصاد في اليمن يُدار كأنه شركة "خاسرة" لا يُراد لها الربح، بل البقاء تحت العجز.
قروض، ثم ديون، ثم شروط، ثم خصخصة، ثم بيع للموانئ والمطارات والأحواش، والمتنفسات، وحتى المستشفيات الخيرية.
ثم تلقى الخطب على الشعب، "نحن نمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة "وكأننا دولة مصابة بالزكام لا بالسرطان.
السياسة، تلك التي يُفترض أن تمثل الشعب، تحولت إلى عرضٍ مسرحي بوجوه تتكرر كل موسم، والمعارضة فيها تُمارس دور "الديكور الديمقراطي"، دون أن تجرؤ على كسر القاعدة الموصى بها.
الصناديق تحشى، لا تُفتح. والخطابات تلقَى، لا تحاسَب، والمواطن، متفرّج لا حول له ولا قوة.
إن المؤامرة ليست خرافة، بل هندسة.
والمشكلة ليست في الجهل، بل في من يصنعه ويوزّعه على شكل مناهج وخُطب ونشرات.
وإذا كان التاريخ يُكتَب بدماء الواعين، فإن الجهل لا ينتصر إلا حين يسكت العقلاء.
فليكن هذا الخطاب دعوة إلى صحوة، لا تصرخ، بل تفكّر. لا تلعن في المنابر، بل تحاسب.
وإذا سقطنا، وهذا ما نتوقعه، فليكن سقوطنا الأخير في غفلة، بل بجهالةٍ اخترناها بمحض رضانا.
"يوم لا ينفع الندم".