في زمن التيه السياسي وتعدد الوصايات، تتعرض القضية الجنوبية اليوم لواحدة من أخطر مراحلها، ليس بفعل الخصوم فقط، بل بسبب ارتباك وتناقض مواقف بعض من تصدروا مشهد القيادة. فبدل أن تُبنى القضية على أسس وطنية راسخة، نجد من يحولها إلى صفقات مؤقتة، وتحالفات هشة، واستقواء بالخارج لا يُنتج إلا مزيدًا من التبعية والارتهان.
لقد حذرنا في وقت مبكر من خطورة الاستقواء بالخارج، وقلنا مرارًا إنّه سلاح ذو حدين، قد يخدمك حينًا لكنه يدمرك في النهاية. الخارج لا يعطي بلا مقابل، ولا يدعم بلا شروط، وإن ظن البعض غير ذلك فقد وقعوا في فخّ الوهم. ما نراه اليوم من تشرذم، ومن خضوع لقرارات لا تُصنع في الداخل، هو نتيجة مباشرة لهذا المسار الكارثي.
يا قادة الجنوب، القضية التي قُدم فيها الدم، وتحمّل فيها الشعب العناء، لا يليق أن تُدار بمنطق الولاء لمن يدفع، ولا أن تتحول إلى منصة لصراعات مناطقية وقبلية وولاءات متبدلة. الشعب الجنوبي لم يُضحِّ ليستبدل وصاية بوصاية، أو نظامًا فاسدًا بمجلس مشتت وفاقد للرؤية.
ولتعلموا جيدًا: الجنوب ليس قرية هنا أو مديرية هناك. الجنوب وطن بحجم قضيته وشعبه وتاريخه. من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا، ومن عدن إلى شبوة إلى حضرموت، الجنوب ليس إقطاعية تدار بعقلية “المربع”، بل هو كيان سياسي وشعبي وثقافي متكامل لا يقبل الاختزال ولا يُحكم بالوصاية.
من يحاول احتكار الجنوب أو مصادرة صوته، إنما يكتب نهايته السياسية بيده. ومن يظن أنه يستطيع أن يحكم شعبًا ناضل عشرات السنين بعقلية ما قبل الدولة، فإنه لم يفهم بعد ما تعنيه الحرية والكرامة والسيادة.
إن مسؤوليتكم التاريخية تفرض عليكم اليوم أن تعودوا إلى الجذور: إلى صوت الشارع، إلى مطالب البسطاء، إلى مشروع الدولة المدنية التي تُنهي الشمولية والإقصاء، لا تعيد إنتاجها.
لا ترقصوا على رؤوس الثعابين، فالثعبان لا يفي بالعهد، وإن ابتسم اليوم… سيفترسك غدًا.
ولنا عبرة بمن كان يتغنى يومًا بأنه يرقص على رؤوس الثعابين… فابتلعته في النهاية.