أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 09:53 م بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • أوزبكستان واليمن الجنوبي: مساران مختلفان في مواجهة التحولات التاريخية

    م. عبدالناصر صالح ثابت




    شاءت الأقدار أن أشارك مؤخرًا في قمة نظمتها شركة «هواوي» العملاقة في العاصمة طشقند بأوزبكستان، خلال الفترة من 18 إلى 22 مايو 2025، كان الحدث مميزًا وضخمًا، وعكس بوضوح التحول الرقمي والتكنولوجي المتسارع الذي تقوده الشركة الصينية في بلد كان حتى سبتمبر 1991 جزءًا من الاتحاد السوفيتي، قبل أن ينال استقلاله ويبدأ في إعادة تشكيل هويته التاريخية، القومية، والإسلامية.

    وأثناء زيارتي، لم تغب عن ذهني المقارنة بين هذا المسار الذي سلكته أوزبكستان، ومسار بلدنا اليمن الجنوبي، الذي كان أيضًا ضمن منظومة الاتحاد السوفيتي الدولية. لكن الفارق الجوهري يكمن في القرار المصيري الذي اتخذته قيادة كل من الدولتين: ففي الوقت الذي سعت فيه أوزبكستان إلى بناء دولة مستقلة ذات سيادة وهوية، هرولت قيادة اليمن الجنوبي في 22 مايو 1990 نحو وحدة مستعجلة مع اليمن الشمالي . (ومن غرائب الصدف أن زيارتي جاءت متزامنة مع الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة المشؤومة، وكأن الزمن أراد أن يوقظ في ذاكرتي وجع وطنٍ منكسر، لم يزل يدفع ثمن ذلك القرار حتى اليوم).

    في أوزبكستان، لا تزال آثار المرحلة السوفيتية حاضرة في بعض البنى التحتية والمعالم الحضرية، إلا أن الدولة تجاوزت ماضيها واستثمرت في بناء مستقبلها. فقد شهدت البلاد نهضة شاملة في جميع المجالات: بنى تحتية حديثة، مدن متطورة، مظاهر انفتاح على العالم، وتشجيع للسياحة، إلى جانب حضور قوي للتقنيات الحديثة. وقد استطاعت أوزبكستان استعادة هويتها الإسلامية والقومية، وحققت توازنًا واعيًا بين الأصالة والانفتاح.

    في المقابل، افتقرت قيادة اليمن الجنوبي في تلك المرحلة إلى رؤية استراتيجية واضحة، فاختارت الانضمام إلى اليمن الشمالي، الذي كان ولا يزال غارقًا في صراعات داخلية، وهيمنة قبلية، وتدهور إداري وفساد مستشرٍ. كان بالإمكان، آنذاك، اتخاذ قرار أكثر نضجًا، يؤسس لمرحلة من الاستقلال والانفتاح الإقليمي والدولي، على غرار ما فعلته أوزبكستان.

    إن التباين بين التجربتين يثير في النفس مزيجًا من الألم والفخر: ألم لما آل إليه حال اليمن الجنوبي من تدهور وضياع، وفخر بما حققته أوزبكستان من استقرار وازدهار، رغم الانطلاق من ظروف مشابهة.

    إن تجربة أوزبكستان تمثل نموذجًا جديرًا بالتأمل، في كيفية استثمار لحظة التحرر التاريخي لبناء دولة قوية، مستقرة، تنطلق من هويتها نحو العالم. وعلى الضفة الأخرى، تبرز تجربة اليمن الجنوبي كدرس عميق في أهمية الرؤية الاستراتيجية، والوعي الوطني، وحسن التقدير عند اتخاذ القرارات المصيرية.

المزيد من مقالات (م. عبدالناصر صالح ثابت)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال