الوضع في العاصمة عدن وبقية المحافظات الجنوبية لم يعد يحتمل توصيفات عابرة أو بيانات مطاطة. ما يجري هو حصار معيشي واقتصادي ممنهج، تشترك فيه أطراف داخلية وخارجية، وبات واضحًا أن هناك تخادمًا بين قوى شمالية – بعضها في الشرعية وبعضها في تحالفات غير معلنة مع الحوثيين – للإبقاء على الجنوب غارقًا في الفوضى والانهيار.

في عدن، لا كهرباء مستقرة، ولا رواتب تُصرف بانتظام، ولا مياه صالحة، ولا دواء، ولا خدمات تليق بمدينة بحجم العاصمة المفترضة. مقابل ذلك، تُنهب الموارد، وتُصرف مخصصات ضخمة من بنك عدن لصالح مؤسسات الدولة في محافظات الشمال، بما يفوق ما يُصرف للجنوب بأضعاف. الأموال تأتي باسم عدن، وتذهب إلى مأرب وتعز، في ظل صمت حكومي كامل، وغياب لأي موقف من المسؤولين في عدن أو المجلس الانتقالي أو الإدارة المحلية.

تُصرف المكرمات الملكية كل خمسة أشهر لقوات الجيش في مأرب ووادي حضرموت وتعز، بينما تظل المنطقة العسكرية الرابعة وقوات الجنوب محرومة، ويُمارس ضدها نوع من العقاب غير المعلن. لا أحد يوضح، ولا أحد يبرر، ولا أحد يعتذر.

المشهد واضح: الجنوب يواجه وحده أزمة متعددة الأوجه، بينما من يُفترض أنهم في السلطة أو الشراكة لا يفعلون شيئًا سوى مراقبة المشهد عن بُعد. هناك من يريد إغراق المجلس الانتقالي في هذه الفوضى، ليُقال لاحقًا إنه فشل، بينما الحقيقة أن القرار والسيطرة الاقتصادية والأمنية الفعلية ليست بيده.

في ظل كل هذا، تستمر المحسوبية، ويتم تكريس النفوذ لمراكز القوى، وتُدار المجالس المحلية بآليات مهترئة، لا تليق حتى بإدارة مدرسة ريفية. لا تغيير، لا محاسبة، لا هيكلة حقيقية، ولا رغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الناس في الجنوب لم تعد تطالب بالكثير. تطالب بما يكفل لها الحياة الكريمة وصابره من اجل حق اسمه وطن . ولكن الحياة والواقع يجب أن يأخذ بقوة شعب من أجل خدمات أساسية لا يمكن أن تبقى خاضعة للمساومات السياسية. تطالب بمسؤولين يعبرون عنهم، لا عن غيرهم. تطالب بإدارة تدير، لا تصدر البيانات.

الأزمات المتراكمة ليست قضاءً وقدرًا. هي نتيجة سوء إدارة، وغياب رؤية، وتخادم سياسي قذر تدفع ثمنه عدن، والمحافظات الجنوبية ويقع عبئه على المواطن الجنوبي.