> عدن «الأيام» خاص:
أمام بوابة قصر معاشيق الرئاسي، حيث تقيم حكومة الشرعية اليمنية، تجمّع العشرات من المحتجين والمحتجات، في وقفة هي الثالثة من نوعها خلال أسابيع، بدعوة من الصحفي والكاتب الجنوبي المعروف صلاح السقلدي. لم يرفع المتظاهرون سوى أصواتهم، ولم يحملوا سوى معاناة يومية تتجدد كل لحظة.. كهرباء غائبة، مياه شحيحة، رواتب مفقودة، غلاء خانق، ومستقبل ضبابي.

لكن الجديد في هذه الوقفة لم يكن فقط في تصاعد حجم المشاركة الشعبية أو في تنوع الأصوات التي انضمت إليها، بل في تجاوب غير متوقع من رئيس الحكومة سالم صالح بن بريك، الذي أبدى استعداده للقاء وفد من المحتجين، واستقبلهم بالفعل في لقاء امتد لساعتين.

اللقاء الذي شارك فيه الصحفي السقلدي ممثلًا عن المعتصمين، كان مفاجئًا في مضمونه؛ إذ لم يكن صوت المواطنين وحده الذي اشتكى، بل بدا أن رئيس الحكومة نفسه قدّم شكاويه الخاصة، وبلغة لا تقل مرارة عن صرخات البسطاء خلف جدران معاشيق.

يقول السقلدي "رئيس الحكومة يشكو مثلنا"، مستعرضًا تفاصيل اللقاء في منشور مطوّل، "قال لنا إنه لا موارد بيده، ولا دعم من التحالف، وإن الحكومة تعمل بظروف صعبة وسط فوضى إدارية وفساد واسع". وأضاف: "أقسم أنه سيفعل ما بوسعه، وقال: هاتوا القرآن لو أردتم، لأقسمت عليه!".

لكن وفد المعتصمين لم يبتلع هذه الوعود بسهولة، معتبرًا إياها "كلامًا صادقًا لكنه لا يُطعم جائعًا ولا يُضيء مصباحًا". فهم لا يطلبون تعاطفًا، بل حلولًا ملموسة، وهم – بحسب تعبير السقلدي – "لا ينتظرون يمينًا على المصحف، بل يريدون الكهرباء والماء والكرامة".


- فعل أخلاقي.. لا عمل سياسي
الكاتب الصحفي السقلدي شدد في منشوراته أن دعوته للاحتجاج لم تكن بدافع سياسي، بل بدافع إنساني وأخلاقي. وقال: "هذه الوقفة فعل أخلاقي قبل أن تكون عملًا سياسيًا، إنها انتصار للمواطن المقهور، ومواجهة لقوى الفساد والنهب التي تشن حربًا خدمية ومعيشية على البسطاء في عدن وأخواتها".

وقد شهدت الوقفة مشاركة لافتة من شخصيات سياسية وإعلامية وحقوقية، بينهم القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي فضل الجعدي، الذي كتب معلقًا: "مطالب الناس مشروعة، والكهرباء والرواتب والخدمات ليست منّة من أحد، بل حق أصيل. أتمنى أن تكون رسالة الناس قد وصلت إلى الحكومة، إن كان ضميرها لا يزال حيًا".

يبدو أن الشارع الجنوبي، وعلى رأسه العاصمة عدن، يتجه إلى مرحلة جديدة من التصعيد السلمي، بعدما فقد الأمل في وعود طال انتظارها، فبينما يشكو المواطن من انقطاع التيار وماء الشرب وتأخر الرواتب، ويصرخ بوجه الفساد، تُفاجئه الحكومة بأنها أيضًا تُعاني، لكنها تطلب مزيدًا من الصبر.
"لا اليأس ثوبنا ولا الأحزان تكسرنا"، بهذا الشعار اختتم وفد المحتجين بيانه عقب لقائهم بالحكومة، مؤكدين أن "الثورة البرتقالية"، كما وصفوها، مستمرة حتى "تُنتزع الحقوق كاملة، ويعيش المواطن بكرامة ومساواة".
- عدن... المدينة التي تنام على الشموع وتصحو على الطوابير
تُجسد هذه الاحتجاجات مشهدًا متكررًا في عدن، التي رغم إعلانها عاصمة مؤقتة منذ سنوات، ما تزال تفتقر لأبسط مقومات الحياة. يُضيء أهلها بيوتهم على ضوء الشموع، ويقفون في طوابير طويلة بحثًا عن ماء الشرب أو الغاز المنزلي، بينما تستمر الحرب على جبهات مختلفة، وتستمر معها معاناة المدنيين في كل زاوية.

المفارقة التي لا تغيب عن أذهان الناس في هذه المدينة، هي أن الحكومة التي يُفترض بها أن تُنقذهم، باتت هي من تشكو إليهم، بلا موارد، بلا صلاحيات، وبلا أمل واضح.

تبقى الرسالة الأوضح في كل هذا المشهد أن الناس في الجنوب لم يعودوا يحتملون صمتًا، ولن يكتفوا بالتعاطف. لقد بدأوا يرفعون أصواتهم، لا ليُقال إنهم ثاروا، بل لأنهم تعبوا من الانتظار، وفي الوقت الذي يُقسم فيه رئيس الحكومة على المصحف بأنه يبذل جهده، يضع المحتجون مصاحفهم على صدورهم، ويخرجون إلى الشارع، حاملين معهم صبر سنين، وأمل لا يموت.
