> «الأيام» د. عوض محمد باشراحيل :

حيث إن اتباع البنك المركزي اليمني لسياسة النقود الرخيصة سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة، وبالتالي إلى ارتفاع أسعار الأوراق المالية، وذلك لأن العلاقة عكسية بين أسعار الفائدة وأسعار الأوراق المالية. أما في حالة اتباع البنك المركزي لسياسة النقود الغالية أو ما تسمى بالسياسة الشحيحة فإن أسعار الفائدة سوق تتجه نحو الصعود، بينما تتجه أسعار الأوراق المالية نحو الانخفاض، كما أن المضاربين في السوق المالية عندما يتوقعون انخفاض أسعار الفائدة في المستقبل. فإنهم يعملون على تحويل أموالهم من السوق النقدية إلى سوق رأس المال لشراء الأوراق المالية كالأسهم والسندات وغيرها من الأوراق المالية الأخرى قبل أن ترتفع أسعارها، والعكس صحيح عندما يتوقع هؤلاء المضاربون ارتفاع أسعار الفائدة في المستقبل، لذلك فإن تدخل البنك المركزي اليمني وقيامه بمهمة الإشراف والمتابعة على السوق المالية - خاصة في مراحلها الأولى - بالتأكيد سيكون في صالح هذه السوق ودعماً لتطويرها.

3- أهمية عمليات السوق المفتوحة
يقصد بعمليات السوق المفتوحة أن يقوم البنك المركزي ببيع الاوراق المالية في السوق المالية إذا رغب في امتصاص السيولة الزائدة من السوق لمكافحة التضخم والتأثير على أسعار الفائدة بالارتفاع من ناحية، أو شراء الاوراق المالية من السوق إذا مارغب في زيادة النشاط الاقتصادي من ناحية أخرى.

وبالرغم من أن قانون البنك المركزي اليمني رقم (14) لسنة 2000م قد أشار في بعض مواده الى قيام البنك المركزي اليمني بممارسة عمليات السوق المفتوحة، وكذا قانون (الدين العام) رقم 19 لسنة 1995م، هو تخويله نيابة عن الحكومة لمباشرة المسؤوليات المتعلقة بإدارة الدين العام، بما في ذلك إصدار السندات وكذلك القيام بإدارة عمليات الاكتتاب في أسهم الاستثمار الحكومي. واستناداً لذلك فقد قام البنك المركزي اليمني منذ العام 1995م وحتى العام الحالي بطرح أذونات الخزانة وبعض السندات الحكومية وشهادات الإيداع بغرض تمويل المشاريع التنموية ومكافحة الضغوطات التضخمية، وبالرغم من بعض النجاحات المتحققة في هذا الجانب، إلا أن عمليات السوق المفتوحة كإحدى الأدوات الاستراتيجية للسياسة النقدية للبنك المركزي اليمني ما زالت غير فاعلة ولم تحقق أهدافها بالقدر المطلوب بسبب عدم وجود سوق مالية منظمة في اليمن.


البنك المركزي اليمني والبدايات الأولى لإنشاء سوق الأوراق المالية
بعد استعراضنا بشكل عام أهمية دور البنك المركزي في السوق المالية المزمع إنشاؤها، فإننا نود التأكيد على أن مهمة الإشراف والمتابعة على هذه السوق من الأفضل أن تكون ضمن مهام البنك المركزي اليمني ولو بصورة مرحلية، لا سيما وأن الحكومة اليمنية قد أناطت بهذا البنك القيام بحق إصدار العملة النقدية في الجمهورية اليمنية، وكذا سحب أي فئة منها بغرض استبدالها وتعويض قيمتها الاسمية بعملة قانونية، فضلاً عن رسم وتنفيذ سياسة سعر الصرف في الجمهورية.

ومن جانب آخر ووفقاً ومقتضيات التحليل الاقتصادي فإن حركة التداول في السوق وعلاقتها بالنشاط الاقتصادي نجدها تتأثر بالسياسة النقدية أكثر منها بالسياسة المالية والتجارية، الأمر الذي يبرر إدراجها تحت إجراءات السياسة النقدية لكي يكون نجاح السوق المالية واستقرارها أحد أهداف السياسة النقدية للاقتصاد اليمني، كما أن البنك المركزي اليمني بمنظومته الواسعة والمتعددة من البنوك التجارية والمتخصصة يمكن له أن يتابع أولاً بأول مستويات كفاءة تعاملها، من خلال تقليل تكاليفها أو برفع كفاءة تشغيلها، وذلك بتقليل الفرق بين سعر بيع الورقة المالية وسعر شرائها، أو برفع كفاءتها الهيكلية من خلال توسيع السوق وزيادة عدد المشاركين فيها. وبالرغم مما تسمح به بعض القوانين - كقانون الاستثمار رقم (22) لسنة 1991م وتعديلات بالقانون رقم (14) لسنة 1995م وكذا قانون المناطق الحرة رقم 4 لسنة 1993م - من تشجيع للرأسمال الوطني والمغترب والعربي والأجنبي للاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، التي يمكن أن تسهم في تأسيس شركات مساهمة مفتوحة والتي تساعد على تنشيط التداول في السوق المالية المقترحة، إلا أن عدم توفر بيئة استثمارية مشجعة ومحفزة جعلته يتردد في إقامة العديد من المشاريع الاستثمارية، إلا أنه يجب التأكيد هنا على أنه حتى وإن كانت الظروف غير مشجعة إلى حد كبير، فإنه من الضروري على الحكومة اليمنية أن تتخذ قراراً شجاعاً بإنشاء سوق مالية منظمة، فهذه السوق بالتأكيد ستكون بداياتها متواضعة، كما أن درجة كفاءتها يتوقع أن تكون ضعيفة بسبب قلة عدد الشركات الناجحة التي يمكن أن تكون مؤهلة لإدراج أسهمها في هذه السوق، خاصة وأنه لا يمكن لأي اقتصاد في ظل ظروف العولمة الاقتصادية والمالية أن يتم بناؤه وتطويره ما لم يكن هناك سوق مالية متطورة تدعمه بمنتجات مالية مستمرة وقصيرة وطويلة الأجل.

مما تقدم يتبين أن قيام البنك المركزي اليمني ونيابة عن الحكومة بطرح أذونات الخزانة وبعض السندات الحكومية وشهادات الإيداع وفوائد مجزية منذ نهاية العام 1995م، قد ساعد بشكل أو بآخر في تكوين وصياغة السلوك الاستثماري لجمهور المستثمرين، كما شكل في الوقت نفسه خطوة هامة نحو إنشاء سوق مالية منظمة في اليمن.


وهذا ما يؤشر على أن أفضل بداية لمثل هذه السوق المنظمة هو أن يتبناها البنك المركزي، خاصة في مراحلها الأولى، على أن تكون البنوك التجارية والمتخصصة العاملة في السوق المصرفية اليمنية وفروعها كوكلاء لهذه السوق، وأن تبدأ هذه السوق بالتعامل بالأسهم والسندات التي تطرحها الشركات المساهمة المدرجة في هذه السوق، فضلاً عن أدوات الدين العام المشار إليها آنفاً، كلما تطلبت الضرورة طرحها في السوق، مع إعادة النظر في سياسة أسعار فائدتها السائدة حالياً، حتى لا يؤثر ذلك سلباً على تنشيط السوق المالية وتنميتها. الجدير بالإشار إليه أن الدين العام المصرفي قد ارتفع بمقدار 3.21 مليار ريال وبنسبة 9.38%، فقد ارتفع من 7.54 مليار ريال في العام 2001م إلى 76 مليار ريال في العام 2002م، وهو موزع في معظمه على البنوك التجارية، علماً بأن ذلك سيكون أكثر فائدة للاقتصاد اليمني فيما لو تم تمويله من قبل المدخرين الصغار، بحيث يتم توجيه أموال البنوك نحو الاستثمارات الجديدة المنتجة.

إن استمرار البنوك التجارية منذ نهاية العام 1995م ولغاية العام 2001م في التعامل بأدوات الدين العام، ومن ضمنها أذونات الخزانة بوصفها استثمارات عديمة المخاطرة وبأسعار فائدة مجزية، قد أثر سلباً على توفير البنوك للأموال اللازمة للاستثمارات المنتجة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالي تنشيط حركة الاستثمارات في البلاد بشكل عام.

ومن جانب آخر، ونظراً للظروف الاقتصادية الملحة لإقامة السوق المالية المنظمة في اليمن وعدم تأخير إنشائها، فإنه يمكن للبنك المركزي اليمني وفروعه في بعض المحافظات ذات النشاطات الاقتصادية كأمانة العاصمة ومحافظات صنعاء، عدن، تعز، الحديدة وحضرموت، أن يقوم بفتح سجلات تقيد فيها أسماء الشركات الناجحة ذات الجدوى الاقتصادية والمنتظمة في إعداد حساباتها الختامية، وذلك بالاستناد على شهادة البنوك التجارية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومكاتب المحاسبين القانونيين المعتمدة.

أما الإصدارات الجديدة من الأسهم والسندات فيمكن إسناد ترويجها لأي بنك تجاري أو متخصص بعد موافقة اللجنة العليا المشرفة على تنظيم ومتابعة السوق المالية، هذا مع ضروة التركيز على دراسات الجدوى للمشروعات (الشركات) الجديدة.

دور المصارف في إنجاح سوق الأوراق المالية

إن اعتقادنا بالدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به البنوك التجارية والمتخصصة، التي بلغ عددها حتى أواخر العام 2002م نحو 14 بنكاً وطنياً وأجنبياً، وتمتلك شبكة واسعة من الفروع المصرفية تبلغ نحو 414 فرعاً منتشرة في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية ، وذلك في إنجاح السوق المالية اليمنية المقترحة قد دفعنا إلى تأييد فكرة إسناد إنشاء هذه السوق والإشراف عليها إلى الجهاز المصرفي بالتعاون مع القطاعات الأخرى، ذلك أن مؤسسات الجهاز المصرفي ذات النشاط التجاري أو المتخصص فضلاً عن البنك المركزي اليمني يكون على إلمام كبير بالشركات والمؤسسات العاملة في الاقتصاد اليمني.

كما أن مؤسسات الجهاز المصرفي اليمني تكون على معرفة ودراية بالوضع المالي لكل شركة، لأنه يتعامل معها ويقرضها أو يمسك ودائعه، وبالتالي فإن البنك يستطيع أن يعرف القيمة الحقيقة لسهم الشركة التي تتعامل معه، وعلى أساس هذه القيمة يمكن أن يتصرف البنك في عمليتي التمويل والتسويق سواء لصالحه أو لصالح زبائنه. ومن جهة أخرى فإن مؤسسات هذا الجهاز تمتلك العديد من الكوادر المالية والمصرفية المؤهلة والملمة بأنواع الأوراق المالية، الأمر الذي يمكنها من توجيه زبائنها نحو الاستثمار في الاوراق المالية المختلفة، علماً بأن ثقة الزبائن في البنك وفي توفير الخبرة له سوف يسهل مهمة البنك في إقناع هؤلاء الزبائن، وتزيد من قدرته على ترويج وتسويق الأسهم والسندات في السوق المالية. كذلك يمكن للبنوك أن تشجع زبائنها بالاستثمار في الأوراق المالية من خلال منحها القروض لغرض شراء الأسهم، والأمر الذي سيساعد على توسيع قاعدة الملكية، علماً بأن هذا الاتجاه سوف يتيح الفرصة أمام العاملين لامتلاك عدد من أسهم الشركات التي يعملون فيها، كما يمكن للبنوك التجارية أن تقوم بتدوير محافظ الأوراق المالية، سواء لحساب صغار المستثمرين أو لحسابها، من خلال شراء الأسهم التي تطرح للاكتتاب العام ولا يتم تغطيتها بالكامل، وعندما تشهر الشركة نفسها وتبدأ بالعمل يكون المستثمرون قد اطمأنوا إلى استقرار هذه الشركة، فيزداد الطلب على أسهمها، فتتولى هذه البنوك إعادة طرح الأسهم للبيع مرة أخرى. وفي السياق نفسه من الممكن أن تنشئ البنوك التجارية أو المتخصصة - وطنية كانت أو أجنبية عاملة في السوق المصرفية اليمنية- بعض الشركات المالية المتخصصة تتولى القيام بعملية شراء الأسهم التي لم تتم تغطيتها من قبل المستثمرين الحاليين في السوق، على أن تقوم بإعادة بيعها عندما ينشأ طلب عليها في المستقبل.

على العموم يمكن القول إن لمؤسسات الجهاز المصرفي اليمني دوراً استراتيجياً في السوق المالية المقترحة بشقيها النقدي وسوق رأس المال، حيث يمكن لمؤسسات هذا الجهاز أن تتدخل لتنشيط هذه السوق المقترحة من خلال الاتجاهات الآتية:

أ- أن يتم تنشيط هذه السوق بالتدخل بالبيع والشراء حسب ظروف السوق.

ب- أن تقوم البنوك بإنشاء صناديق الاستثمار المشترك لاقتناء الأوراق المالية وتشجيع صغار المدخرين في الاكتتاب في هذه الصناديق.

ج- أن تتوسع البنوك في عملياتها الائتمانية بضمان الاوراق المالية، الأمر الذي سيشجع العديد من رجال الأعمال في التجارة والخدمات بأن تكون لهم استثمارات في الأوراق المالية.

في الأخير يمكن القول إن إنشاء السوق المالية المنظمة في اليمن يحتل أهمية كبيرة، باعتباره أحد المتطلبات الاستراتيجية لإنجاح الجهود الاقتصادية الرامية إلى تسريع عملية النمو الاقتصادي، وتحسين وتعميق مناخ الاستثمار، وحشد وتجميع المدخرات وتوجيهها للاستثمار المنتج. وفي إطار تنفيذ الحكومة لبرنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي، فقد بذلت جهوداً ملحوظة نحو التهيئة والإعداد لإنشاء السوق المالية، وذلك من خلال قيام البنك المركزي اليمني نيابة عن الحكومة بطرح أذونات الخزانة، ومنها بعض السندات الحكومية وشهادات الإيداع على جمهور المستثمرين.

كما أن هناك علاقة قوية بين مؤسسات الجهاز المصرفي كالبنك المركزي اليمني والبنوك التجارية والمتخصصة من ناحية، وإنشاء وتنمية السوق المالية من ناحية أخرى، فالجهاز المصرفي يعد العنصر الرئيس للتمويل إذ أنه لا يمكن قيام سوق مالية منظمة في اليمن دون مشاركة فعالة من البنوك الوطنية والعربية والأجنبية العاملة في السوق المصرفية اليمنية، وذلك من خلال دورها في تطوير صناعة السوق المالية المقترحة.

أستاذ العلوم المالية والاستراتيجية المساعد - جامعة عدن.