> «الأيام» انيس منصور حميدة:

طريق عقان المسيمير
أشجار الليمون وطيور الصباح وغصون المانجو شكلت لوحة جميلة في وادي المسيمير، هذه اللوحة الجميلة تلوثت بجراثيم الفساد وفيروسات المحسوبية لتعداد سكاني يقدر بـ 37 ألف نسمة .. أربع ساعات قضتها «الأيام» في هذه البلدة بين الهضاب وخلف سلسة جبلية سوداء تبدو من بعيد على هيئة خنجر، وما إن تتقارب المسافات حتى تبرز جبال أخرى مملوءة بالهيبة والوقار والعظمة تحكي صلابة وثبات الساكنين إنها جبال (وروة) وما ادراك ما هي (وروة).
المسيمير واقع تدمع له القلوب قبل العيون، هناك على وادي مخران وتلال الدريجة وسهول وادي الفقير مكيريم يعشش الضياع وتتفتت أحجار الأساس بسبب عوامل التعرية، وتبدلت المسيمير من سلطنة الحواشب إلى سلطنة البعوض وحسبنا أن نقف مع الطريق، الماء، الكهرباء، والوضع الصحي في المسيمير.
الطريق إلى المسيمير .. أنات وحوادث
ما إن تتجه من عقان يميناً إلا وتحل الفاجعة الأولى من مشاهدة الحفر والتقطعات الترابية بين الإسفلت، وعليك أن تستخدم مهدئات ألم الرأس ومانعة الغثيان لأنك تسير على طريق عفى عليها الزمن وسببت كثيرا من الحوادث .. حفر متناثرة ومن عام إلى عام يزداد الخراب في هذا الطريق الذي يعتبر شريان الحياة.
< تحدث إلينا السائق أمين حازم هزاع بعد مرارة علقت في حلقه: «كنت دائماً أسير بسيارتي في هذا الطريق أما الآن فنادراً ، كل شيء يهون إلا الطريق إلى المسيمير، تم سفلتتها ورصفها عام 88م وحتى يومنا هذا لم يتم تجديدها سوى بعض الترقيعات وبجهود نقابة السائقين، ومايزال طريق عقان - المسيمير حلماً طال انتظاره وهو بحاجة إلى تجديد ورصف».

احد المستنقعات التي تنتشر فيها البعوض عند مدخل المسيمير
< وتحدث أديب محمد السيد، طالب جامعي قائلاً: «هذا الطريق لم ينجز منه سوى حجر الأساس ونصف كيلو تم مسحه بتركتر، ومع كل مناسبة انتخابية يتم إرسال الآليات لإجراء المسح لكن سرعان ما يعود الوضع إلى ما كان عليه بمجرد انتهاء الانتخابات، ومنذ عام 92م تم مسح نصف كيلو ثم توقف العمل دون أسباب مقنعة. ونحن في المسيميرنعاني الأمرين، نفتقد الكهرباء العمومي فالمولد الأصلي لا يتحمل إنارة جميع المنازل.. وحتى مياهنا ملوثة والشبكة يكسوها الصدأ، وعبر «الأيام» نناشد السلطات المحلية ومحافظ لحج بالتحرك الجاد السريع لإنقاذ المديرية مما فيها من معاناة وألم يتجرعها سكان المسيمير.
وفي بعض المناطق عصر الفوانيس لم يصل إليهم بعد، وبالذات منطقة عهامة التي نزل إليها المسؤولون قبل عام ونصف وأمطروها بالوعود والمشاريع وأحجار الأساس.. في هذه المنطقة يلجأ أهلها إلى صناعة التنكة المسرجة، وهي عبارة عن علبة يملأوها بالجاز بعد إحكام الغطاء ثم يقومون بإحداث ثقب لإنزال فتيل الاشعال، وفي ضوء الفتيل يسامرون البؤس والمعاناة، ومن بين (37) ألف نسمة يعيش (8500) نسمة تقريباً على مولد الكهرباء من عهد النظام السابق، ويتم تشغيله لمدة سبع ساعات فقط».
< وتحدث الأستاذ نصر ناصر صالح قائلا: «تعيش مدينة المسيمير على مولد كهربائي أهلي وتحت إشراف لجنة أهلية وهو من عهد حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية ويغطي ما يقارب (8500) نسمة فقط لمدة محدودة تقدر بنحو7 ساعات ويحدث انقطاع التيار الذي يستمر عدة أسابيع وآخر انقطاع كان في رمضان لمدة عشرة أيام بسبب قلة الامكانيات وارتفاع سعر الديزل ، واضطرت اللجنة الأهلية إلى الاستدانة من أجل تشغيل الكهرباء وكل الجهود قائمة على المواطنين يقابلها إهمال ولا مبالاة من قيادة المديرية».
< الأخ عارف صالح سالم، أمين عام جمعية البر مخران قال : «بقية سكان الارياف مثل مخران وجبل حنش والسقامي مكيديم وعقان السراحنة يعيشون على الفوانيس .. فلماذا لم يتم ربط مديرية المسيمير بالكهرباء العمومية رغم ان كابلات الضغط العالي مرت مرور الكرام في عقان، وقد تم وضع حجر الاساس عام 90 وذهبت احجار الاساس بسبب عوامل التعرية ولم نر كهرباء ولا يحزنون .. ثمانية وعشرون ألف نسمة إضاءتهم الفوانيس والشمع والتنكات، ويقضون لياليهم بين ظلام الليل وظلم الفساد».
والحديث عن مأساة المياه تجده القاسم المشترك بين اهالي المسيمير، وجزءا لا يتجزأ من واقع اليم، بل ويتعرض الاهالي لصدمات عنيفة عندما ينقطع الماء ويصل بهم الحد الى اليأس والقنوط من شيء اسمه سلطة محلية ومنجزات هلامية يعجز اللسان الفصيح والقلم السيال الاحاطة بكل صغيرة وكبيرة.
< في جانب المياه تحدثت الينا الحجة ام اديب الحوشبي: «كل شيء يهون الا المياه، ماكينة التشعيل قديمة جدا وتتوقف عن ضخ الماء للمنازل وأعطالها كثيرة، ويسبب الديزل ازمة وبالذات بعد الارتفاع المضاعف للديزل، نعيش اسابيع في حالة طوارئ ونمشي مسافات كرهاً في الايام المشمسة والمحرقة بحثا عن قطرات الماء ونحمله فوق الرؤوس من الوادي، تعبت اجسادنا وتجعدت الوجوه وعم الحزن في منازلنا وبالذات مركز المديرية».

امرأة عجوز وبيدها تنكة الضوء «المسرجة»
الصحة من يداويها!
الصحة نالت ايضا حظاً من الاهمال، وعند دخولنا الى مستشفى المسيمير وجدنا الاخ احمد الربيح ناظر تمريض ولم نجد مدير المستشفى.. وبدوره تحدث الاخ احمد عن الخدمات الصحية منها تقديم الاسعافات الاولية والتطعيمات والفحوصات المخبرية ووجود صيدلية تابعة لصندوق الدواء، وعن اهم المعوقات قال «غرف التوليد غير مجهزة بالشكل المطلوب والسليم وعدم وجود كشافة للمستشفى» وعن أكثر الامراض انتشارا قال هي الملاريا التي اصبحت مستديمة ونواجه العجز في مقاومة البعوض المنتشر بكثرة.
فيما شكت الينا ام اسماعيل ثابت في مذكرة لها: لا تغرك فخامة المبنى وكثرة الممرضين، فالخدمات والروتين القاتل هما الطاغيان في هذا المستشفى وأكثر المرضى يذهبون إلى العيادات الخاصة ومستشفى ابن خلدون لحج. وكذلك اثناء مرورنا في ممرات المستشفى وجدنا قلة نظافة وبقعا من الأوساخ ناهيك عن (جلافة) الممرضين والممرضات والتكشيرة التي تعلو وجوههم والتذمر البادي في تعاملاتهم، بل وجدنا اثنين من عمال المستشفى في حالة هسيتيريا وخصام فيما بينهم البين رغم ان المريض احوج ما يكون الى الرعاية واللطف، والحالة النفسية والطمأنينة لها الدور الاكبر في الشفاء.

غرفة مكينة كهرباء المسيمير المدينة
< وتقدم عدد من الساكنين بشكوى موقعة من رداءة مادة الرش لمكافحة البعوض وقلة اهتمام السلطة المحلية ومكتب الصحة، إلا ان مدير الصحة ينفي هذه الشكوى، وهكذا فإن المواطن يحمل المسؤولية مكتب الصحة، والصحة تنفي، والمجلس المحلي غائب عن دوره .. فخرجنا بمواقف سلبية ولا نعلم من المسؤول، ولا ننسى الوضع الصحي المتدهور في الارياف والوحدات الصحية التي نفتقد فيها وجود حبة أسبرين، والوضع الصحي يسير من سيئ الى اسوأ والصحة تحتاج من يداويها.
وقفات لمسك الختام
- مكتب المجلس المحلي وجدناه مغلقا لكي نقف مع الجانب الحكومي على هموم المديرية حتى يكتمل الاستطلاع من جميع النواحي، ونفس تأكيد الغياب أكده مواطنون متجمعون امام المكتب قائلين: من يريد مدير المديرية والامين العام للمجلس المحلي فما عليه الا الذهاب الى لوكندة أزال عصراً.
- أربعة مساجد في مركز المديرية بدون حمامات، والمسجد القديم حماماته يرثى لها ومن عهد السلطنة ويحتاج إلى تجديد وبناء من أهل الخير. هكذا وجدنا المسيمير طريقا قديما وكهرباء قديمة وماكينة تشغيل وضخ الماء من زمان وكل شيء مضى عهده.