> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

1- سعيد مبارك مرزوق:الدولة الكثيرية .. كانت حضرموت في الفترة التي سبقت استقلال المحافظات الجنوبية في 30 نوفمبر 1967م تحكمها دولتان: دولة القعيطي (أو حضرموت الساحل) وحاضرتها المكلا ودولة الكثيري (أو حضرموت الداخل) وحاضرتها سيئون، وجاء في كتاب «حضرموت- 1934/1935م» للسياسي البريطاني المشهور دبليو. اتش. انجرامس وترجمه الى العربية الطيب الذكر، أ. د. سعيد عبدالخير النوبان أن سيئون هي عاصمة السلطنة الكثيرية ومن مدنها أو قراها: تريم وتريس، غربي سيئون ومريمة الى الشرق من سيئون والغرف، شمال تريم، وغيل بن يمين منطقة جميلة كمصيف وهي قرية صغيرة غالبية سكانها من البدو (ص 145).

يمضي انجرامس في وصفه حيث أفاد أن في تريم 300 مسجد ويقال أن آل الكاف بنوا مسجداً له أعلى منارة في حضرموت وبها ضريح الفقيه المقدم، كما أفاد انجرامس في كتابه (ص 52) أن سكان المدن آنذاك ينحدرون من حوالي 80 أسرة كانت قد هاجرت من العراق مع السيد أحمد بن عيسى وكانت سيئون من تلك المدن الحضرمية التي ورد ذكرها والتي استوطنتها: آل باشغيوان ورئيسها هادي صالح وآل سعيد عبدالله وآل بافضل وآل حسان.

الولادة والنشأة

فنان الدان الشعبي سعيد مبارك مرزوق من مواليد سيئون حاضرة الدولة الكثيرية الحضرمية عام 1911م ونشأ في كنف والده مبارك مرزوق، الذي ذاق مرارة الفقر واكتوى تحت شمس سيئون وهو يصنع الخيش الخزفي لسطوح المنازل، كما اكتسب الوالد مبارك مهارة عمل (المحضة) وهي طلي الجدار بالطين والنورة.

حرص الوالد مبارك على غرس حب العمل في نفس ولده سعيد منذ أن كان في نعومة أظفاره وذلك من خلال إشراكه في صنعته، التي أتقنها ولده سعيد وبرع فيها لأن الفقر المدقع فرض على الأسرة حصاراً لم يمكنها من إلحاق ولدها الصغير بمدرسة أو حتى كتاب (معلامة).

قصور ومنازل وادي حضرموت شاهدة على فنيات مرزوق المعمارية

حملت مجلة «الفنون» (وزار ة الثقافة بعدن) في عددها الصادر في فبراير 1982م موضوعأً موسوماً: فنان الدان الشعبي، سعيد مبارك مرزوق، وكاتبه الأستاذ بدر جعفر بن عقيل: «وفي أيام الشباب لمعت موهبته (أي سعيد مبارك مرزوق) الفنية في الفن المعماري وتخصص في الخيش الخزفي، المحضة والتلجيص بالنورة - عمل النورة- زخرفة السقوف، تركيب الألوان الزاهية المتعددة، التشكيل الفني المعماري بالرسوم والألوان، وقد ترك سعيد بصماته في هذا الجانب الذي تشهد الآن له كثير من قصور ومنازل وادي حضرموت على سبيل المثال «قصر الثورة» بسيئون».

الشاعر الشعبي خميس الكندي شاهد على روائع مرزوق:

روائع سعيد مبارك مرزوق الفنية المعمارية كانت مثار اعجاب الشاعر الشعبي خميس الكندي وتفجرت شاعريته واطرب يقول:

واسعيد بن مرزوق في كل دار

كلما طلع مرواح جت أفكار

لا بطلوا في جنس من التجنيس جاب الجنس الأخرى

دايم وهو شال السفر بمديه يكسب ملايين

باحشوان شاهد على مواهب سعيد مبارك مرزوق:

تشرنقت موهبة بن مرزوق في اللحن والشعر في وقت مبكر من عمره حيث بدأ تجربته في الإبداع الفني منذ الرابعة عشرة من عمره (مرجع سابق) وورد في كتيب «الأنغام الخالدة» للاستاذ محفوظ صالح باحشوان: «من خلال علاقة سعيد مرزوق بالغناء أتيحت له فرص كثيرة جمعته بأبرز ملحني الدان وشعرائه خلال نصف قرن من الزمن، وأن يصقل فيها موهبته وأن يشبع رغبته الذكية وتنمية عواطفه الجياشة التي ما لبثت أن فجرت قريحته الفكرية وجعلته يباري معلميه أو يتخطاهم على الأصح».

كبار المطربين يتغنون بألحان بن مرزوق

ارتطبت أغنية «حيا ليالي جميلة» بوجدان المستمع في مناطق عدة من الوطن وخاصة في حضرموت وعدن وصدح بها صوت محمد جمعة خان أو صوت الفنان أبوبكر بلفقيه الذي أجاد تأديتها أو عبر فرقة الإنشاد (مرجع سابق) ولا يعلم المغرمون بها أنها اصلاً من ألحان سعيد مرزوق. هنا يشير الأستاذ بدر جعفر بن عقيل: «والكثير يجهل ذلك ولاي شار حتى من قبل الإذاعة والتلفزيون إلى ملحنها الحقيقي وهذا أمر موسف حقاً».

يضيف الأستاذ بن عقيل:«ومن ألحانه أغنية «إن قمت ماهو بحد رزقي» وهذا اللحن من الألحان الشائعة العذبة.. غناه كثير من الفنانين وقد غناه الفنان البلفقيه بأبيات مطلعها:

ذا فضل ضاعت على داره

في الارض من شانها بادور».

«ومن ألحانه ايضاً أغاني «تمناه قلبي بالمختم» و«يقول بن هاشم بكت لعيان دم» وهذه الأغنية تغني بها الفنان الكبير محمد سعد عبدالله و«قال الفتى غن باتغزل- ياغصن لي ربوك أهلك» أما لحن أغنية «يابو علي والخاطر مكدر» فقد غنته الفنانة رجاء باسودان والمجموعة بقصيدة مطلعها: دوب الزمان والقلب يتقطع».

«إن ألحان بن مرزوق كثيرة ومتعددة ولها نكهة خاصة ولون خاص فلا غرابة في أن أطلق عليه الشعراء بحضرموت لقب «ملحن ألحان الدان».

سيئون والدان في وجدان بن مرزوق

سيئون المدينة الفاتنة حورية وادي حضرموت الثر سكنت مهجة بن مرزوق، فأحبها وأحب أهلها وناسها وزرعها وضرعها وعبر عن تصوفه بذلك الحب الوقاد بالقصيد عندما اطربنا بقوله:

كل من قال لي أرضك قلت أرضي سيئون

نعم سيئون أرضي منبع أشكال وألوان

أما ولعه وهيامه بالدان فقد ترجمه ألحاناً وشعراً استقر بعضه أو جله في الكراس القيم الذي أعده الأستاذ الكبير الراحل عبدالقادر محمد الصبان والموسوم «ملحن ألحان الدان سعيد مرزوق» والكراس الآخر الموسوم «الأنغام الخالدة» الذي صدر عن ادارة الثقافة والسياحة بسيئون والذي كرس ايضاً للرثاء، نثراً وشعراً بمناسبة أإبعينية الراحل الكبير سعيد مبارك مرزوق الذي عبر عن ولعة بالدان عندما أطرب قائلاً:

يالدان ياحياك والله لا بانساك

يالدان عندي مثل ميل البحر لي يمشي بديره

من شافنا يقول يا ملاك

ونا سلي

من قمت لو سليت محد با يسليك

بن مرزوق في رحاب الخالدين

صدمت حضرموت وواديها وشاركتها الصدمة كل الدوائر المهتمة بالأدب والفن والتراث لوفاة فقيد الفن سعيد مبارك مرزوق في الفاتح من مارس 1981م عن عمر ناهز السبعين عاماً وخلف وراءه مآثر كفاحية وإبداعية دخلت التاريخ من أوسع ابوابه.

لقد مضى ربع قرن على رحيل هذه القامة فمتى يرد له اعتباره ويعاد نشر إنتاجه وحقوقه في أعماله الفنية وحتى لا يلعننا التاريخ، علينا أن نسارع بوضع النقاط على الحروف.

2- عبدالله صالح مسيبلي: السلطنة العوذلية ..تقع ما كانت تسمى بالسلطنة العوذلية شمال شرقي عدن وتبعد عنها بـ 120 ميلا (193 كيلو مترا) والقبائل العوذلية متشعبة الأصول والفروع وكانت تنقسم إداريا إلى أربع مناطق:

1) المنطقة الشرقية ومركز إدارتها الشعة.

2) المنطقة الغربية ومركز إدارتها مكيراس.

3) المنطقة الشمالية ومركز إدارتها مرتقة.

4) المنطقة الجنوبية ومركز إدارتها زارة.

الولادة والنشأة

في منطقة عريب (مكيراس بالسلطنة العوذلية) مكاناً والعام 1936م زمانا كانت ولادة الفنان المسرحي عبدالله صالح عمر مسيبلي، من أسرة ارتبطت بالفقه والعلم. نزح مع أخوته الكبار إلى عدن في بداية أربعينيات القرن الماضي وتلقى دراسته في مدارس القوات المسلحة.

في النصف الثاني من خسمينات القرن الماضي، التحق عبدالله مسيبلي بشركة مصافي الزيت البريطانيةB.P مع أخيه الأكبر الفنان والمخرج والممثل والكاتب علي صالح المسيبلي، متعه الله بالصحة وأطال عمره، وهناك في شركة مصافي الزيت البريطانية في منطقة البريقة التقى الأخوان علي وعبدالله مسيبلي مع عدد من المهتمين بالإبداع المسرحي ومنهم أستاذنا عمر عوض بامطرف وياسين بهري ومحمد الدقمي وغيرهم وأسسوا «فرقة الهيئة العربية للتمثيل» ومن خلالها وجد الشاب المغرم بالمسرح، عبدالله مسيبلي متنفسه وشارك في بعض الأعمال منها «فتاتنا اليوم» و«جريمة في الليل» و «هل قتلت أخي» وأعمال أخرى في الفترة الواقعة بين خمسينات وستينات القرن الماضي.

«هذه الجنوب أرضنا الطيبة» بداية المشوار مع الإذاعة

طرق عبدالله مسيبلي من وراء أستاذه علي مسيبلي باب الإذاعة وقدم عددا من التمثيليات الإذاعية وقدم مع أخيه علي البرنامج المشهور في بداية الستينات «هذا الجنوب أرضنا الطيبة» وخلال تلك الفترة تمكن من تقديم عدد من العروض المسرحية خارج منطقة البريقة وتعرف على عدد من الفنانين منهم محمود أربد ومحمد مدي وعمر الرخم وعبدالمجيد القاضي وعبدالحميد فارع وغيرهم، بالإضافة إلى ممثلي فرقة المصافي الكوميدية أمثال الحاج عمر طاهر والعمير وعلي صالح بن صالح وناصر حسين وغيرهم. (راجع: عبدالله صالح مسيلبي: أحد فرسان المسرح اليمني: قاسم عمر قاسم: صحيفة 14 أكتوبر - 27 مارس، 2006م).

عمر بامطرف وراء أول عمل تلفزيوني للمسيبلي:

مع بداية البث التلفزيوني في عدن عام 1964م، وجد عبدالله مسيبلي ضالته في المسرح التلفزيوني من خلال مسرحية «ست البيت» من تأليف وإخراج الرجل الكبير عمر عوض بامطرف وتواصل عبدالله مسيبلي مع الأعمال الدرامية عبر الإذاعة والتلفزيون.

بمناسبة الذكرى الأولى للاستقلال في نوفمبر 1968م قام عبدالله مسيبلي بإخراج أول عمل مسرحي وكانت فاتحة أعماله في الإخراج المسرحي لمسرحية «شهيد الوطن» وكان ذلك العمل أول أعمال البطولة للفنان المسرحي الكبير علي يافعي ضمن أعمال الفرقة القومية للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.

المسيبلي يعود من أمريكا متأبطا الإخراج التلفزيوني:

بعد تقديم ذلك العمل، قدم عبدالله مسيبلي استقالته إلى إدارة مصافي عدن وحمل عصا الترحال إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأمضى فيها قرابة الأربع سنوات سعيا وراء تحسين معيشته واستغل فرصة إقامته هناك ودرس الإخراج التلفزيوني بنظام الساعات.

حزم عبدالله مسيبلي أمتعته في أمريكا وعاد إلى أرض الوطن ولم يحصل على وظيفة وعندما شارك في تمثيل مسرحية «الأرض» التي أخرجها الفنان المبدع الراحل فيصل علي عبدالله في نهاية 1973م شاءت محاسن الصدف أن يشاهد ذلك العمل الرئيس الرحل سالم ربيع علي، فاصدر أمرا بتوظيفه في وزارة الثقافة عام 1974م.

المسيبلي يشد الرحال إلى ألمانيا

غادر عبدالله صالح مسيبلي مع زميليه عبداللطيف حاشدي، فني اضاءة وصوت وعثمان عبدربه من محافظة أبين إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطيةGDR لتلقي دورة دراسية وتدريبية وتحددت مادة الإخراج المسرحي لعبدالله مسيبلي، وبعد عودته في منتصف عام 1975م قدم عبدالله مسيبلي كمخرج مسرحية «عائلة في خطر» التي قدمت كأول عرض في نوفمبر 1975م وكانت من تأليف الكاتب والناقد المسرحي المعروف الأستاذ أحمد محمد الشميري وقدمتها فرقة المصافي الكوميدية وشارك في التمثيل الممثل المعروف قاسم عمر قاسم.

تم تكليف عبدالله مسيبلي بالإشراف على أول دورة في مجال المسرح خلال الفترة 1975/1976م التي أقامتها وزارة الثقافة لدارسين من محافظات عدن ولحج وحضرموت وكان من ضمن المحاضرين: الأستاذ عمر عوض بامطرف والأستاذ سامي عبدالنبي (من مصر) والأستاذ بارسك آلن (من فرنسا) وفي يوليو 1976م أصدر الأستاذ محمود نجاشي، رحمه الله، قرارا بإنشاء فرقة المسرح الوطني وقرارا آخر بتعيين عبدالله صالح مسيبلي قائدا لتلك الفرقة.

المسيبلي ممثلا ومؤلفا ومخرجا

بعد قيادته لفرقة المسرح الوطني، قدم عبدالله مسيبلي باكورة إنتاجها «فتاتنا اليوم» وهي من تأليف علي صالح مسيبلي وإخراج عبدالله مسيبلي وشارك في التمثيل في «ذي زرعتوه احصدوه» وكانت من تأليف وإخراج علي يافعي وفي المسرحية المشهورة «التركة» وكانت من تأليف سعيد عولقي وإخراج أحمد سعيد الريدي و«الفردية القاتلة» و«نحن والفاشية» من تأليف زكي عمر وإخراج أحمد الريدي (ومثلهما أيضا في مهرجان دمشق عام 1979م) و«العاشق والسنبلة» تأليف فيصل صوفي وإخراج علي يافعي وهناك أعمال أخرى من إخراج عدد من المخرجين من ضمنهم عبدالله حسين وفقيد المسرح علي الرخم. بعد قيام دولة الوحدة قدم عبدالله مسيبلي الجزء الثاني من مسرحية «التركة» عام 1991م من تأليف سعيد عولقي وإخراج قاسم عمر قاسم وآخر وقفاته مع المسرح كانت عام 1994م عندما سجل مسرحية التركة .

فترة نيابية حرجة وصراع مع الداء الخبيث قبل الرحيل

منح الناخبون في دائرة البريقة أصواتهم وثقتهم للمبدع الراحل عبدالله صالح مسيبلي وأصبح عضوا في مجلس النواب خلال الفترة 1993/1997م وبدأ المسيبلي رحلة مضنية مع الداء الخبيث منذ العام 1999م وانتهى ذلك الصراع في 25 يناير 2002م، عندما حمل الناعي وفاة المبدع الكبير عبدالله صالح مسيبلي عن عمر ناهز الـ 66 عاما.

خلف عبدالله مسيبلي وراءه سجلا ناصعا من الأعمال الإبداعية ودماثة الخلق، كما خلف وراءه خمسة من البنين والبنات وهم: 1) سامي 2) سامية 3) سمير 4) محمد 5) لينا.