> «الأيام» محمد الحيمدي:

عشرة من مهاجري مديرية الشعيب بمحافظة الضالع يقتلون في الولايات المتحدة الأمريكية، منهم ثلاثة من أسرة واحدة، خلال أقل من عام كان الرقم 10 هو المواطن أحمد الشعيبي (44 عاماً) الذي قتل في ولاية نيويورك مساء الأحد الماضي برصاصة في الرأس، عندما هاجمه لصوص في محل بقالة يعمل فيها، وقبلهم الكثير ممن قتلوا بأياد مسلحة آثمة وعدد آخر من الضحايا الذين نجوا بأعجوبة من الموت وكان مصيرهم أن أصبحوا مصابين بعاهات مستديمة شلت حركتهم وجعلتهم غير قادرين على العمل.. هؤلاء المواطنون الذين هاجروا من أراضيهم بعد أن ضاقت بهم سبل العيش في أوطانهم بحثا عن مصدر رزق حتى وإن كان مغموساً بعذاب الغربة ومرارة فراق الأهل والأحباب والوطن، ومحفوفاً بشتى المخاطر.. هؤلاء المواطنون يقتلون غدراً وعدواناً من قبل عصابات لا تعرف الرحمة والشفقة، يموتون شهداء للقمة العيش - الهدف الرئيس لهجرتهم.. يقتلون دون أي ذنب أو جريرة ارتكبوها، يقتلون في محلات وبقالات وأكشاك هي مصدر رزقهم الزهيد الذي عن طريقه يعيلون عشرات الأفراد والأسر في أوطانهم.. يقتلون داخل هذه الأماكن وليس في الكباريهات والمراقص والفنادق والمطاعم الفخمة، فهم يحبسون أنفسهم في هذه المحلات بل الأشكاك المتواضعة التي تدر عليهم دخلا زهيدا بالكاد يكفي لإعالة أسرهم وذويهم، شادين الأحزمة على بطونهم يأكلون المعلبات والطعام الذي يناسب دخلهم، وبنفس الحال أماكن نومهم وراحتهم وهي فترات قليلة وقليلة جداً.

هؤلاء جميعاً قتلوا وهم في هذه المحلات وبهذا المستوى من الحياة الصعبة الضنك يدافعون عن مصدر رزقهم الزهيد وشقاء وكد وتعب هجرتهم، وعن كرامتهم وآدميتهم التي يريد هؤلاء القتلة تدنيسها وتمريغها في التراب، وهم الأعزاء الأكارم الذين لا يقبلون ذلك. إذن فهم ودون شك في منزلة ومكانة الشهداء لأنهم قتلوا مجاهدين في سبيل لقمة عيش كريمة ونظيفة يوفرونها بعرقهم الطاهر ويدفعون ضريبتها كل شيء حتى دماءهم الزكية.

والشيء المحزن المبكي أن هؤلاء الشهداء الذين قتلوا هم من خيرة أبناء الشعيب حيث كانت لهم مساهمات خيرية عديدة كانوا يقدمونها ويستقطعونها من دخلهم المتواضع ليساعدوا الفقراء والمحتاجين ويشاركوا في بعض المشاريع الحيوية التي تعود بالنفع على جميع مواطني الشعيب، وقد كان لقتلهم ورحيلهم وبهذه الطريقة البشعة ردود أفعال غاضبة عند أهاليهم وكل أبناء الشعيب، وما زاد غضبهم أن هؤلاء الرجال يقتلون الواحد تلو الآخر وبالطريقة الإجرامية ذاتها، وهي القتل العمد بالرصاص ومع سبق الإصرار والترصد وهم في محلاتهم دون أن يكشف عن هوية الجناة وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل، وهو الأمر الذي يثير قلقهم وتوجسهم معتبرين أن ذلك سيشجع هؤلاء القتلة واللصوص في التمادي بأفعالهم الإجرامية هذه، مستغربين التقصير الواضح وغير المسؤول من قبل الجهات المختصة في الخارجية والسفارة اليمنية في الولايات المتحدة الأمريكية، والدليل أنه حتى اللحظة ومع ازدياد عدد القتلى يوماً عن يوم لم يكشف عن هوية الجناة أو حتى شخص واحد، مطالبين هذه الجهات وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية التدخل السريع لكشف الجناة ومحاكمتهم وإيقاف هذا النزيف الدامي، متساءلين هل هؤلاء الضحايا اليمنيون هم أقل مكانة ومنزلة من المواطنين الأمريكيين؟ وماذا سيكون رد أمريكا لو هذا يحدث لمواطنيها في اليمن أو في أي قطر عربي هل ستصمت وتتقاعس وتعمل أذناً من عجين وأخرى من طين؟ كما هو موقف اليمن من هذه الأحداث، التي لم تبادر حتى بالإدانة والاستنكار والشجب ومثلها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني. والمؤسف حقاً أن أعضاء مجلسنا الموقر مجلس النواب قد لزموا كذلك الصمت المريب المستكين وكأن الأمر لا يعنيهم شيئاً، وعلى حد علمي أن إثارة هذه القضية أو القضايا من صلب مهامهم وواجبهم.

فهل تفعل السلطات اليمنية ولن نقول تفعل ما تفعله أمريكا في مثل هكذا حالات ومواقف بل تفعل ما يحافظ على ماء وجهها أمام الشعب اليمني كونه المعني بالأمر، باعتبار أن من قُتلوا هم أبناؤه ووجعه ودمه النازف .. فهل تفعل السلطات اليمنية ذلك ممثلة بالجهات المختصة؟ إننا منتظرون.