> «الأيام» أمذيب صالح أحمد:
تقوم هيئة الثقافة والتراث في إمارة (أبو ظبي) بدورعظيم في نصرة الثقافة العربية و اللغة العربية الفصحى وإشاعتها، من خلال إحياء الشعر العربي الفصيح بطريقة جذابة وساحرة في برنامج أمير الشعراء على مسرح رائع وبمقدم فنان فصيح أمام لجنة تحكيم موقرة وجمهور منتخب وتسخير قناة فضائية خاصة لذلك، مما أثار إعجاب عشاق لغة الضاد في الأمة العربية من الخليج إلى المحيط.
وهي تحسب لإمارة (أبوظبي) كمأثرة من مآثرها النبيلة، كما تحسب لراعيها الشيخ محمد بن زايد كمكرمة من مكارمه الأدبية. وحتى يستوفي برنامج أمير الشعراء إكتماله بحيث يصبح الشعر فيه ديوانا حقيقيا للعرب, لابد من تسجيل الملاحظات التالية عليه في مجال الأصالة والحداثة في الشعر العربي المعاصر، وهي :
1- يلاحظ من اتجاه الفكر النقدي العام بين أعضاء اللجنة أنه يمثل مدرسة النقد الحداثية التي تميل إلى قصيدة النثر و شعر التفعيلة عامة وإلى الشعر الذاتي، خاصة الذي تبنته مدرسة الشعر الحر طوال النصف الثاني من القرن الماضي.
فترى بعض النقاد يشيرون إلى أن القافية العمودية تكون قيدا على الشاعر في التعبير عن شعريته، فينصحونه بانتهاج شعر التفعيلة الذي يستطيع من خلاله التعبير بحرية تامة، متجاهلين ماقدمه شعراء البحور العروضية والبيت العمودي من شعر مدهش عظيم على مدى التاريخ منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم.
إن ضعف التعبير في أحد أبيات القصيدة العروضية لايؤثر على مجملها إذا قورن بالضعف الإيقاعي الموسيقي الذي قد يلازم بنية سطور شعر التفعيلة وقصيدة النثر في أكثر الأحوال.
2- من المعلوم أن مدرسة الحداثة الذاتية تولت زعامتها بعض الشخصيات في مجلة ( شعر) البيروتية في القرن الماضي، التي ثبت فيما بعد أنها كانت تمول من المخابرات الأمريكية المركزية.
وكان سكرتير المجلة الشاعر علي أحمد سعيد(أدونيس) الذي يعتبر المنظر الحقيقي لهذه المدرسة متأثرا بالحداثة الفرنسية إلى حد الهوس، وهذا الشاعر قد أكد في كتاباته وكتبه عدائه للثقافة العربية الإسلامية وأهدافه في تحطيم البناء اللغوي والنظام البلاغي في لغة العرب وديوانهم الشعري، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمقومات الشريعة الإسلامية، لأنه يتهم الثقافة العربية الإسلامية بالثبات والجمود بعد أن تبنته بعض الدوائر الفرنسية المعادية للغة القرآن وأوهمته بسعيها في حصوله على جائزة نوبل للآداب، كما يقول الكاتب جهاد فاضل في كتابه (الشعوبية المعاصرة).
أما رئيس تحرير مجلة (شعر) يوسف الخال فقد قام بمحاربة اللغة العربية الفصحى، وتبنى (اللغة المحكية) أي (اللهجة العامية)، وهو مايعني اهتمامه بتحطيم الشكل اللغوي للشعر العربي الفصيح وتحريفه تحريفا تدريجيا حتى تتلاشى فصاحة لغة العرب بالتنسيق مع كتاب شعوبين آخرين في تلك الفترة.
وقد تبنت الدوائر الفرنسية مشروعه للهجات الإقليمية، وطبقته تعليميا في مدارسها على عرب فرنسا، ولذلك فإن مدرسة الحداثة هي هجمة ضد الشعر العربي شكلا ومضمونا.
وكما يعرف النقاد الكرام فإن مدرسة الحداثة في الشعر تنطلق من نظريات أوروبية نابعة من مذاهب الفوضوية والعبثية والسريالية والوجودية التي لاعلاقة لها بالفكر العربي الاسلامي، إذ أن هدفها هو تحطيم كل القيم الأخلاقية والجمالية والشكلية في الأدب والشعر والفكر كجزء من الحملة الاستشراقية على العروبة والإسلام، متظاهرة بشعارات التجديد والحداثة والثورية على القديم الموروث، بحيث يصبح الشعر العربي عبارة عن (حائط مبكى) لذوات شعراء الحداثة القلقة الحائرة الضائعة التي تكتب شعرها من موقع العدمية، بعيدا عن الصراع الثقافي والاجتماعي للعرب والمسلمين في الدفاع عن قيمهم وحضارتهم الإسلامية.
3- ظهر في الحلقة الأولى من برنامج أمير الشعراء، والحلقة الثانية مدى التأثر النقدي في تحكيم اللجنة بتنفيرهم للشعراء المتنافسين من شعر الحماسة الوطنية والإسلامية والشعر الملتزم بالقضايا الإجتماعية والموضوعية عامة، الموزون موسيقيا بالقافية العروضية، ونصحهم دائما بانتهاج سردية شعر التفعيلة الذاتي الفردي الذي يعبر عن آلام الشاعر وتأوهاته وضياعه وانفلاته الاجتماعي وعدميته في الوجود.
4- حين يكون شعر القافية العروضي موضوعيا، فإنه غالبا مايقوم وينقد سلبا من اللجنة، فتراهم يتحدثون عن التقليدية والتراثية والمعجمية المحنطة والعلاقة الفاشلة مع السلف وعدم الرضا عن استحضار القديم رموزا وأحداثا، لأنه مستهلك- على حد قولهم- ولايستشهدون بآراء النقاد العرب القدامى، ولكنهم يستعرضون بعض الأقوال النقدية البائسة للغربيين المعاصرين التي تصب في تأكيد النزعة الفردية المنفلتة المأزومة للحداثة الغربية التي لاتعرف بيان وبلاغة اللغة العربية.
5- إن مدرسة شعر التفعيلة التي نشأت متأثرة ببعض من الموشحات الأندلسية من حيث المعنى وببعض من أشكال الشعر الغربي ومضامينه، إلا أنها في مضمونها قد تأثرت كلية بالشعر الغربي الأوروبي المعاصر، الذي انفلت من القوافي وانغلق موضوعيا على النفس والذات الشاعرة بأحاسيسها وخيالاتها وأحلامها، في عالم من التيه الفكري المأزوم والغموض اللغوي العابث، الذي ينحدر تدريجيا إلى نثرية، تفتقر إلى أبسط الأوزان و الإيقاعات الموسيقية.
6- إن مفهوم الشعر عند العرب يختلف جذريا عن مفهوم الشعر لدى الشعوب الأخرى فهو باختصار (ديوان العرب) أي أن أغراضه وموضوعاته ومضامينه تشمل جميع مناحي الحياه وجميع مناهج التفكير الإنساني عند الشاعر.
إنه سجل تاريخي لوقائع الحياة الفردية والجمعية والمجتمعية والفكرية والكونية الظاهرة والباطنة المباشرة وغير المباشرة، ولذلك فشعر الحماسة- مثلا- يجب أن يكون خطابيا ومباشرا ودعويا، لأن الشعر العربي يقاس نقديا بالبناء البلاغي لشكل القصيدة والمطابقة الأسلوبية لمضمونها، سواء أكانت ذات مشاعر إنسانية أو قيم عقلية أو واقع موضوعي طبيعي أو صناعي، وقد ظهر من شعر التفعيلة أو الشعر المتكرر من بعض العروض أنه لايستطيع إلهاب حماس الجماهير، كالشعر العروضي المقفى، كما أن المتلقي لايستطيع إنشاد الشعر الحداثي كالشعر العمودي، لأنه جسم هلامي لايقوم على بحور وأوزان الموسيقى العروضية.
7- لايجوز للناقد أن يمنع أو يسمح بالمواضيع التي يطرقها الشاعر، لأن الشاعر حر في هذا، وإنما يمارس الناقد نقده على الشاعر في حدود الشروط الفنية الشعرية للملائمة بين المضمون والشكل، فالشاعر له خياراته في التأثر بالحياة واختيار موضوعاته كما يحلو له. وحينما يتدخل الناقد في أفكار الشاعر فإنه يوجه الشاعر توجيها فكريا ومذهبياً نحو معتقدات الناقد المذهبية، والحداثية المعاصرة في الشعر العربي مذهب أدبي في ظاهره, سياسي في باطنه، موجه أساسا ضد الثقافة العربية والإسلامية وديوانها الشعري عامة، وضد الشعر العربي الوطني والحماسي خاصة في نصرة قضايا العروبة والإسلام.
8- إن النقد الحداثي يختطف بعض العناصر البلاغية للقصيدة فيغرقها في بحر من الدلالات السياسية والاجتماعية والنفسية للشاعر، بحيث يدخل مع الشاعر في غموض وسراب وضياع وانفلات عن الالتزام بالحياة والمجتمع، وهذه الطريقة تكون على حساب إهمال النقد البلاغي العام للقصيدة، بحيث تتحول إلى نبرة شعرية أو خطاب شاعري، لايتلذذ به سوى الناقد الحداثي الذي يستعذب استحضار الأساطير والرموز والأفكار الغربية التي تتلاءم مع شعرية قصيدة الحداثة، ويستنكر في نفس الوقت استحضار مايماثلها من الثقافة العربية الإسلامية، وخاصة حين تكون لاستنهاض الهمة في الجهاد والمقاومة.
9- إن للشعر وظائف عديدة ومن أهمها إحياء الكلمات القديمة في سياقات جديدة، وإسماع المتلقي بناء بلاغيا ولغويا تطرب الأذن بموسيقاه، وتهتز النفس بسماعه، وقد يكون فارغا من الصور الشعرية.
كما هو الحال بالنسبة للنظم عند العرب، لأن النظم الشعري قد يستخدم لتصوير بعض المواضيع الباردة أو المادية تصويرا واقعيا كوصف لآلة- مثلا- وهو مالايوجد مثيل له في الشعر الأجنبي، ولذلك يجب أن لا نستبعد مسألة النظم الشعري لأن بنائيته البلاغية والبيانية تساعد على تقوية الملكة اللغوية لدى السامعين- وإن كانت لاتثير أشجانهم- ولعل ( ألفية ابن مالك) غيض من فيض النظم في الشعر العربي.
10- إن الشعر الحداثي التفعيلي والنثري الذي لايهتم باللغة في بعض الأحيان، وفي أحسن حالاته يستعمل إيقاع التفعيلة في سطوره الشعرية لايستطيع أن يستخدم جميع بحور الشعر العربي، مما يدل على قصور في بنيته العضوية، رغم ادعائه بأنه يمثل تطورا فنيا في الموسيقى التي قد يصفها البعض بالداخلية، وهي في الأساس لاوجود لها إلا حين يتطابق شعر التفعيلة مع بعض البحور العروضية، مما يؤكد أن بحور الشعر العربي هي أرقى من قدرات شعر التفعيلة، كما أنها تنتظر عباقرة الشعر في المستقبل لاختراع، وإضافة بعض البحور الجديدة، غير أن النقد الحداثي بصورته الحالية يحاول طمس قدرات الشعر العربي المبنية على العروض وقتلها، تنفيذا لنظرية الحداثة في الشعر العربي التي هي غربية المنشأ، الهادفة إلى تحطيم هوية الأمة العربية والإسلامية، من خلال تحطيم نظرية ديوان العرب التي نعتز بها كجزء من هذه اللغة العظيمة التي لاتضاهيها لغة أخرى في العالم، والتي قد لايتنبه بعض النقاد إلى خطورتها، وسوف نحاول في مقال قادم عرض نظرية الشعر الأصيلة في الأدب العربي.
وهي تحسب لإمارة (أبوظبي) كمأثرة من مآثرها النبيلة، كما تحسب لراعيها الشيخ محمد بن زايد كمكرمة من مكارمه الأدبية. وحتى يستوفي برنامج أمير الشعراء إكتماله بحيث يصبح الشعر فيه ديوانا حقيقيا للعرب, لابد من تسجيل الملاحظات التالية عليه في مجال الأصالة والحداثة في الشعر العربي المعاصر، وهي :
1- يلاحظ من اتجاه الفكر النقدي العام بين أعضاء اللجنة أنه يمثل مدرسة النقد الحداثية التي تميل إلى قصيدة النثر و شعر التفعيلة عامة وإلى الشعر الذاتي، خاصة الذي تبنته مدرسة الشعر الحر طوال النصف الثاني من القرن الماضي.
فترى بعض النقاد يشيرون إلى أن القافية العمودية تكون قيدا على الشاعر في التعبير عن شعريته، فينصحونه بانتهاج شعر التفعيلة الذي يستطيع من خلاله التعبير بحرية تامة، متجاهلين ماقدمه شعراء البحور العروضية والبيت العمودي من شعر مدهش عظيم على مدى التاريخ منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم.
إن ضعف التعبير في أحد أبيات القصيدة العروضية لايؤثر على مجملها إذا قورن بالضعف الإيقاعي الموسيقي الذي قد يلازم بنية سطور شعر التفعيلة وقصيدة النثر في أكثر الأحوال.
2- من المعلوم أن مدرسة الحداثة الذاتية تولت زعامتها بعض الشخصيات في مجلة ( شعر) البيروتية في القرن الماضي، التي ثبت فيما بعد أنها كانت تمول من المخابرات الأمريكية المركزية.
وكان سكرتير المجلة الشاعر علي أحمد سعيد(أدونيس) الذي يعتبر المنظر الحقيقي لهذه المدرسة متأثرا بالحداثة الفرنسية إلى حد الهوس، وهذا الشاعر قد أكد في كتاباته وكتبه عدائه للثقافة العربية الإسلامية وأهدافه في تحطيم البناء اللغوي والنظام البلاغي في لغة العرب وديوانهم الشعري، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمقومات الشريعة الإسلامية، لأنه يتهم الثقافة العربية الإسلامية بالثبات والجمود بعد أن تبنته بعض الدوائر الفرنسية المعادية للغة القرآن وأوهمته بسعيها في حصوله على جائزة نوبل للآداب، كما يقول الكاتب جهاد فاضل في كتابه (الشعوبية المعاصرة).
أما رئيس تحرير مجلة (شعر) يوسف الخال فقد قام بمحاربة اللغة العربية الفصحى، وتبنى (اللغة المحكية) أي (اللهجة العامية)، وهو مايعني اهتمامه بتحطيم الشكل اللغوي للشعر العربي الفصيح وتحريفه تحريفا تدريجيا حتى تتلاشى فصاحة لغة العرب بالتنسيق مع كتاب شعوبين آخرين في تلك الفترة.
وقد تبنت الدوائر الفرنسية مشروعه للهجات الإقليمية، وطبقته تعليميا في مدارسها على عرب فرنسا، ولذلك فإن مدرسة الحداثة هي هجمة ضد الشعر العربي شكلا ومضمونا.
وكما يعرف النقاد الكرام فإن مدرسة الحداثة في الشعر تنطلق من نظريات أوروبية نابعة من مذاهب الفوضوية والعبثية والسريالية والوجودية التي لاعلاقة لها بالفكر العربي الاسلامي، إذ أن هدفها هو تحطيم كل القيم الأخلاقية والجمالية والشكلية في الأدب والشعر والفكر كجزء من الحملة الاستشراقية على العروبة والإسلام، متظاهرة بشعارات التجديد والحداثة والثورية على القديم الموروث، بحيث يصبح الشعر العربي عبارة عن (حائط مبكى) لذوات شعراء الحداثة القلقة الحائرة الضائعة التي تكتب شعرها من موقع العدمية، بعيدا عن الصراع الثقافي والاجتماعي للعرب والمسلمين في الدفاع عن قيمهم وحضارتهم الإسلامية.
3- ظهر في الحلقة الأولى من برنامج أمير الشعراء، والحلقة الثانية مدى التأثر النقدي في تحكيم اللجنة بتنفيرهم للشعراء المتنافسين من شعر الحماسة الوطنية والإسلامية والشعر الملتزم بالقضايا الإجتماعية والموضوعية عامة، الموزون موسيقيا بالقافية العروضية، ونصحهم دائما بانتهاج سردية شعر التفعيلة الذاتي الفردي الذي يعبر عن آلام الشاعر وتأوهاته وضياعه وانفلاته الاجتماعي وعدميته في الوجود.
4- حين يكون شعر القافية العروضي موضوعيا، فإنه غالبا مايقوم وينقد سلبا من اللجنة، فتراهم يتحدثون عن التقليدية والتراثية والمعجمية المحنطة والعلاقة الفاشلة مع السلف وعدم الرضا عن استحضار القديم رموزا وأحداثا، لأنه مستهلك- على حد قولهم- ولايستشهدون بآراء النقاد العرب القدامى، ولكنهم يستعرضون بعض الأقوال النقدية البائسة للغربيين المعاصرين التي تصب في تأكيد النزعة الفردية المنفلتة المأزومة للحداثة الغربية التي لاتعرف بيان وبلاغة اللغة العربية.
5- إن مدرسة شعر التفعيلة التي نشأت متأثرة ببعض من الموشحات الأندلسية من حيث المعنى وببعض من أشكال الشعر الغربي ومضامينه، إلا أنها في مضمونها قد تأثرت كلية بالشعر الغربي الأوروبي المعاصر، الذي انفلت من القوافي وانغلق موضوعيا على النفس والذات الشاعرة بأحاسيسها وخيالاتها وأحلامها، في عالم من التيه الفكري المأزوم والغموض اللغوي العابث، الذي ينحدر تدريجيا إلى نثرية، تفتقر إلى أبسط الأوزان و الإيقاعات الموسيقية.
6- إن مفهوم الشعر عند العرب يختلف جذريا عن مفهوم الشعر لدى الشعوب الأخرى فهو باختصار (ديوان العرب) أي أن أغراضه وموضوعاته ومضامينه تشمل جميع مناحي الحياه وجميع مناهج التفكير الإنساني عند الشاعر.
إنه سجل تاريخي لوقائع الحياة الفردية والجمعية والمجتمعية والفكرية والكونية الظاهرة والباطنة المباشرة وغير المباشرة، ولذلك فشعر الحماسة- مثلا- يجب أن يكون خطابيا ومباشرا ودعويا، لأن الشعر العربي يقاس نقديا بالبناء البلاغي لشكل القصيدة والمطابقة الأسلوبية لمضمونها، سواء أكانت ذات مشاعر إنسانية أو قيم عقلية أو واقع موضوعي طبيعي أو صناعي، وقد ظهر من شعر التفعيلة أو الشعر المتكرر من بعض العروض أنه لايستطيع إلهاب حماس الجماهير، كالشعر العروضي المقفى، كما أن المتلقي لايستطيع إنشاد الشعر الحداثي كالشعر العمودي، لأنه جسم هلامي لايقوم على بحور وأوزان الموسيقى العروضية.
7- لايجوز للناقد أن يمنع أو يسمح بالمواضيع التي يطرقها الشاعر، لأن الشاعر حر في هذا، وإنما يمارس الناقد نقده على الشاعر في حدود الشروط الفنية الشعرية للملائمة بين المضمون والشكل، فالشاعر له خياراته في التأثر بالحياة واختيار موضوعاته كما يحلو له. وحينما يتدخل الناقد في أفكار الشاعر فإنه يوجه الشاعر توجيها فكريا ومذهبياً نحو معتقدات الناقد المذهبية، والحداثية المعاصرة في الشعر العربي مذهب أدبي في ظاهره, سياسي في باطنه، موجه أساسا ضد الثقافة العربية والإسلامية وديوانها الشعري عامة، وضد الشعر العربي الوطني والحماسي خاصة في نصرة قضايا العروبة والإسلام.
8- إن النقد الحداثي يختطف بعض العناصر البلاغية للقصيدة فيغرقها في بحر من الدلالات السياسية والاجتماعية والنفسية للشاعر، بحيث يدخل مع الشاعر في غموض وسراب وضياع وانفلات عن الالتزام بالحياة والمجتمع، وهذه الطريقة تكون على حساب إهمال النقد البلاغي العام للقصيدة، بحيث تتحول إلى نبرة شعرية أو خطاب شاعري، لايتلذذ به سوى الناقد الحداثي الذي يستعذب استحضار الأساطير والرموز والأفكار الغربية التي تتلاءم مع شعرية قصيدة الحداثة، ويستنكر في نفس الوقت استحضار مايماثلها من الثقافة العربية الإسلامية، وخاصة حين تكون لاستنهاض الهمة في الجهاد والمقاومة.
9- إن للشعر وظائف عديدة ومن أهمها إحياء الكلمات القديمة في سياقات جديدة، وإسماع المتلقي بناء بلاغيا ولغويا تطرب الأذن بموسيقاه، وتهتز النفس بسماعه، وقد يكون فارغا من الصور الشعرية.
كما هو الحال بالنسبة للنظم عند العرب، لأن النظم الشعري قد يستخدم لتصوير بعض المواضيع الباردة أو المادية تصويرا واقعيا كوصف لآلة- مثلا- وهو مالايوجد مثيل له في الشعر الأجنبي، ولذلك يجب أن لا نستبعد مسألة النظم الشعري لأن بنائيته البلاغية والبيانية تساعد على تقوية الملكة اللغوية لدى السامعين- وإن كانت لاتثير أشجانهم- ولعل ( ألفية ابن مالك) غيض من فيض النظم في الشعر العربي.
10- إن الشعر الحداثي التفعيلي والنثري الذي لايهتم باللغة في بعض الأحيان، وفي أحسن حالاته يستعمل إيقاع التفعيلة في سطوره الشعرية لايستطيع أن يستخدم جميع بحور الشعر العربي، مما يدل على قصور في بنيته العضوية، رغم ادعائه بأنه يمثل تطورا فنيا في الموسيقى التي قد يصفها البعض بالداخلية، وهي في الأساس لاوجود لها إلا حين يتطابق شعر التفعيلة مع بعض البحور العروضية، مما يؤكد أن بحور الشعر العربي هي أرقى من قدرات شعر التفعيلة، كما أنها تنتظر عباقرة الشعر في المستقبل لاختراع، وإضافة بعض البحور الجديدة، غير أن النقد الحداثي بصورته الحالية يحاول طمس قدرات الشعر العربي المبنية على العروض وقتلها، تنفيذا لنظرية الحداثة في الشعر العربي التي هي غربية المنشأ، الهادفة إلى تحطيم هوية الأمة العربية والإسلامية، من خلال تحطيم نظرية ديوان العرب التي نعتز بها كجزء من هذه اللغة العظيمة التي لاتضاهيها لغة أخرى في العالم، والتي قد لايتنبه بعض النقاد إلى خطورتها، وسوف نحاول في مقال قادم عرض نظرية الشعر الأصيلة في الأدب العربي.