> «الأيام» صالح سالم عمير:

الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه، صاحب التاريخ الحافل بالفن الجميل، والثراء الغنائي متعدد الألوان، والأنغام الشجية، استطاع بذكاء وكفاءة نادرين، خلال مشواره الفني الطويل، إن شاء الله تعالى.

ندعو له بالصحة والعافية وطول العمر، استطاع أن ينتقي أروع النصوص الشعرية الغنائية، لشعراء كبار، أمثال: أبوبكر بن شهاب الحامد، عبدالله محمد باحسن الشابي، حداد بن حسن، المحضار، لطفي جعفر أمان، إلخ.

وقد كان الفنان محمد جمعة خان، رحمه الله، يغني لكبار الشعراء أيضاً، أمثال: حسين محمد البار، صاحب:

حنانيك يا من سكنت الحنايا

وحملت قلبي جميع الرزايا

وكذا:

يا من على البعد أهواها وتهواني

ماذا أفادك تعذيبي وحرماني

بل أن محمد جمعة خان غنى من شعر البهاء زهير:

ماله عني مالا

وتجني فأطالا

أترى ذاك دلالا

من حبيبي أو ملالا

وغنى لأحمد شوقي: علموه كيف يجفو فجفا/ ظالم لاقيت منه ماكفى.. إلخ.

ينقب ويبحث ويفتش عن دراية وإلمام وثقافة، عن بعض الموروث الحضرمي، المتمثل في بعض الأشعار ذات المسحة الصوفية، التي كانت - ومازالت - تنشد في مجالس الذكر، والحضرات وغيرها، سيما وقد بدأ البلفقيه، أيام صباه، منشداً، في زوايا تريم، مرتع صباه، ومسقط رأسه، وله باع في تأدية الموشح، والأناشيد، وغيرها، فشدا بالقصيدة السحرية الشهيرة للإمام عبدالله بن علوي الحداد:

يارب ياعالم الحال

إليك وجهت الآمال

فامنن علينا بالإقبال

وكن لنا واصلح البال

وشدا للإمام العلامة علي بن محمد الحبشي- مقامه في مدينة سيئون، ويعقد له احتفال سنوي يسمى الحول، في 20 ربيع الثاني من كل عام، ذكرى وفاته:

بانقرع الباب والمولى عليه العطية

يعطي جميع الأمل

حاشا جزيل العطا نرجع والأيدي خلية

سبحان ربي وجل

وأنشد الفنان أبوبكر سالم بلفقيه، وهو شاعر أيضاً، بصوته العذب الجميل، الرشفات، وهي قصيدة مطولة للعلامة عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه- المتوفى سنة 1173هـ - ومنها:

أكرم بأقوام لها استجابوا

وطاب معناها لهم فطابوا

ذاقوا حميا كأسها فغابوا

عن الورى في حضرة الوصال

ومنها:

يقول قومٌ عن هواهم ضلّوا

قد عدموا في عصرنا وقلّوا

فقل لهم كلا ولكن جلّوا

عن أن تراهم أعين الجهال

وغنى كذلك، للعلامة علي بن محمد الحبشي، رائعته:

نادمته على الصفا فطاب عيشي وصفا.. بلحن أنيق وساحر وجذاب، وعرض التلفاز اليمني، في وقت سابق، بمناسبة شهر رمضان، أنشودته الممتازة: القوافي، الخ.

والمفاجأة السارة، احتواها شريطه الأخير، حيث لحن وغنى لشاعر علامة لايكاد يعرفه إلا الراسخون في العلم، قصيدة:

قرش* من الموز والقط لي من الموز وحده

ياللي تحب الحلا

من قد قنع كلما حصل من الرزق سده

وان ما قنع جا البلا

يعبر العمر هو والنفس وإبليس هدّه

ولا يشوف السلا

إلى أن يقول:

آنستنا يالذى طب المحبين عنده

فما السبب ذا القلا

شفنا مولع ولالي من محبتك صده

لو قلت ميتين لا

قال إننا جيت بامكن عهود المودة

حتى يتم الولا

فمن هو هذا الشاعر ياترى، الذي نبش عنه الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه؟ ونفض الغبار عن أشعاره؟؟.. إنه الشاعر العلامة محمد بن عيدروس بن محمد الحبشي، ولد في حوطة جده الإمام أحمد بن زين (خلع راشد) سنة 1265هـ، وتنقل في مدن وادي حضرموت في طلب العلم وأخذ العلوم الخاصة والعامة عن كثير من أساتذته ومشايخه، وكان أبرزهم العلامة علي بن محمد الحبشي- وبينهما مكاتبات وقصائد - كهذه القصيدة لشيخه الكبير:

قل لبن عيدروس القلب يهوى تلاقيك

أو مثل:

من لي بمن يوصل أنفاسي لبن عيدروس

وللشاعر محمد بن عيدروس بن محمد الحبشي ديوان شعر، باللهجة الدارجة، يحتوي على أكثر من 300 قصيدة، جمعه العلامة علوي بن محمد بن طاهر الحداد، صدر سنة 2007م عن منشورات دار مقام الإمام أحمد بن زين للطباعة والنشر والتوزيع - حضرموت- الجمهورية اليمنية.

توفى الشاعر محمد بن عيدروس الحبشي، في جاوة في 12 ربيع الثاني 1337هـ، نفع الله به.

وتحية لأبي أصيل، الفنان، المثقف، الوفي، الرائع.

* كعادته يعدل البلفقيه بعض المفردات الحضرمية، ليفهمها الكل من دون أن يمس معنى المفردة، فعدّل قرّش إلى قشّر.

الهامش:

- في كتابه- عمر بامخرمة السيباني- ذكر الأستاذ عبدالرحمن جعفر بن عقيل، السيد عبدالرحمن عبدالله بلفقيه، في صفحة 69 وهو بصدد الحديث عن الشعر الصوفي، حيث كتب قائلاً:

(أما السيد عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه المتوفى بتريم سنة 1162هـ، في فصول منظومته المتنوعة الاتجاهات في النواحي الصوفية والمعروفة بـ«رشفات أهل الكمال ونسمات أهل الوصال» وهي رحلة في الشعر الصوفي الحضرمي، تناولت التصوف من الناحية النظرية والعملية، ويقال أنها عبارة عن ردود على أسئلة، وردت إليه من علماء مكة، يقول في مطلعها:

إخواننا بالمسجد الحرام

منا إليكم أكمل السلام

وحمد رب عم بالأنعام

ومن بالتفضيل والأفضال)

الكتاب صدر عام 2002م، الطبعة الأولى وهو من منشورات دار الفكر.. ويبدو أن المؤلف أخطأ في تاريخ وفاة الشاعر.. حيث إن تاريخ وفاته، كما هو في ديوان (الرشفات) عام 1173هـ