> د. عبده يحيى الدباني

هكذا تغنى شاعرنا الكبير ابن عدن الحبيبة لطفي جعفر أمان شاعر الجنوب المبدع، حينما جلا آخر جندي بريطاني من بلادنا، وقيام الدولة الجنوبية المستقلة في الثلاثين من نوفمبر 1967م:
على أرضنا ... بعد طول الكفاح
تجلى الصباح ... لأول مرة
وطار الفضاء طليقا رحيبا
بأجنحة النور ينساب ثره
وقبلت الشمس سمر الجباه
وقد عقدوا النصر من بعد ثورة
وغنى لنا مهرجان الزمان
بأعياد وحدتنا المستقرة
بهذه اللغة الطرية القريبة من الجو الرومانسي انطلق الشاعر فرحا بنصر ثورته، واستقلال بلاده وحريتها بعد أكثر من قرن وربع قرن من الاحتلال الأجنبي، لقد تجاوزت اللغة الشعرية كل تلك السنين العجاف لتصل إلى مرفأ الحرية والاستقلال، حتى النقط في البيت الأول حملت دلالة لكلام يفهم من خلال السياق، وها هو (الفضاء) في المطلع يطير طليقا رحيبا.
مع أن واقع الحياة يدل على أن الفضاء لا يطير، ولكنه مكان للطيران، وهذه صور شعرية جميلة ومعبرة، فالفعل (طار) نفسه يدل على العلو والحرية وسرعة الحركة، حتى الفضاء صار حرا. كأنه كان مسجونا ومكبلا فإحساس الشاعر وخياله هما خلقا مثل هذه الصور، فالفضاء هنا هو فضاء الروح.. فضاء الإنسان.
وهكذا تتوالى الصور وتتضافر، لتعبر عن ذلك المشهد التاريخي الذي مر به شعبنا، فالفضاء يطير بأجنحة النور، وما أكثر النور في شعر لطفي رمزا وحقيقة، والشمس تقبل سمر الجباه على ما عقدوا من نصر فسمر الجباه هنا كناية عن المناضلين الثوار الجنوبيين الذين يميلون إلى السمرة لا سيما بعد حياة التشرد والنضال والكفاح.
ومثلما طار الفضاء ... وقبلت الشمس فها هو مهرجان الزمان يغني في المناسبة ولها. أي للشعب الذي حقق الانتصار وانتزع الاستقلال، ولكن ما هو مهرجان الزمان؟ أو من هو مهرجان الزمان ؟ فليس هنالك في الواقع شيء مادي ولا معنوي اسمه مهرجان الزمان، ولكنها صورة أشرق بها شعور الشاعر وخياله، قد تشير إلى التاريخ أو إلى أي شيء آخر.
فهي توحي أكثر مما تقرر أو تعبر، وقد ساعدها في ذلك الموسيقى الشعرية، حقا لقد وحدت ثورة 14 أكتوبر شعب الجنوب على درب الكفاح والمصير الذي تتوج بالاستقلال، وتلك هي إشارة الشاعر حين قال: (بأعياد وحدتنا المستقرة) لقد توحد الجنوب مناطق وفئات اجتماعية ومكونات سياسية ومدنية وريفا ومدنا.