​رسائل عاجلة لطرفي الصراع في اليمن

> د. بدر العرابي*

>
(أوقفوا الحرب الآن الآن) 
د. بدر العرابي
د. بدر العرابي

الرسالة (1)
أما بعد: 
أرغب في أن أرى صديقي الذي غاب عنِّي منذ ثلاث سنوات، ولم أعد أتذكَّر آخر لعبة كنا لعبناها على ردهة الزقاق الذي يفصل بين منزلينا، والتي لم تكتمل حينها بعد أن دوى صوت انفجار مرعب على طرف الزقاق، ومن حينها لم أجد صديقي الذي لم نفترق، ولم يقوَّض برنامجنا في اللعب بعد ظهيرة كل يوم، منذ أن ولدنا في هذا الحي - أي مُنقِّص.. أين أنت الآن ياصديقي، وهل مازلت حياً، أم قد تخطَّفتْ جسدَك قذائف حب الوطن والشعب، التي لم يجد القائمون على هذا الوطن، إلا التعبير عن حبهم لك وحرصهم عليك - إلا بها..
أين أنت الآن ياصديقي!؟،وهل مازلتَ تفكر كيف ننهي آخر لعبة لعبناها مثلما أفكِّرُ الآن - قبل أن يزورنا حبُّ الساسة لنا وللوطن عبر الشاشات..
عفواً ياصديقي، قبل أن أنهي رسالتي تلك، وددت أن تجيبني: هل مازلتَ تذهب إلى المدرسة، كل صباح؟ أم لم تعد هناك مدرسة كمدرستنا التي كنت بجوارها.  
فقط أردتُ نهاية رسالتي تلك أن أهمس في مسامع طرفي القتل الآن هنا: 
 "اتركونا بسلام"، فلا نرغب بمحبتكم تلك، إذا لم تتوفر لديكم وسيلة أخرى للتعبير عن مشاعر حبِّكم ووفائكم لنا وحرصكم على الوطن، وإن لم ترغبوا بذلك، فأطلب منكم فقط، عدم مزاحمتي على الشاشة، واتركوني أستمتع بمشاهدة قصص الكرتون وأنعقوا بعيداً، كوني لم أزل في الثامنة من العمر..
فقط أوقفوا الحرب الآن.
الإمضاء :طفل يمني
20/ نوفمبر /2017م
الرسالة(2)
أما بعد:
ابني العزيز..
أفتقدك كثيراً، وقد انقطعتْ أخبارُك عنِّي منذ طرق المنزل، ذات مساء بعض الجُنْد ليهدوك بندقية وبعض الزاد، ثم علمتُ بعدها أنك في جبهة القتال. ثلاث سنوات (ياولدي) وشجني كل مساء يهمس أن الحرب قد قتَلَتْك وإن جثتك مازالتْ بالعراء هناك، ومنذُ غبتَ لا أستطيع أن أميط هذا المشهد من خيالي، لأن دوي الرصاص مايزال يصمُّ قلبي، وقلبي ياولدي، قلبي لم يقر بعد. 
ثلاث سنوات وعينيَّ تبحث عنك بين الناجين من القتال في جبهات الموت، أُفتِّش عنك في نشرات الأخبار على الشاشة، عسى أن أراك واقفاً، فيهدأ قلبي وتخمد النار التي تحتل دمي منذ غبتَ. 
أفتقدك الآن، وأنفاسي (ياولدي) قد جفَّتْ منذ أن هجرَتْها رائحةُ ملابسك، أما عيناي، فقد تيبستْ عيناي ياولدي، ولم يعد يسقط منها دمع، بعد أن غدتْ تذرفُ دمي بضرواة..
أين أنت الآن؟ وهل سآراك بعد!؟، أم أن حزني سيصلب قلبي أبد الدهر؟
فلتعد الآن، ولتترك آلة الموت التي بين يديك، حتى تسدَّ ثغرة انفلات آخر رمق للحياة في دمي؟
عُد الآن فاليوم هو 21/ مارس /2018م، إنني أفتقدُ قبلاتك التي اعتدت أنُ تطبعها على جبيني، والتي فارقتني منذ ثلاث سنوات في يومًّ كهذا، وقد تصحَّر جبيني وورم قلبي فقدا.
يا هؤلاء "أوقفوا الحرب الآن، حتى أستطيع فرك عيني لتستدرَّ دمعاً بدلاً عن ذرف دمي.
أعيدوا ولدي الآن.
الإمضاء: أم يمنية.
21/مارس/2018م.
الرسالة (3)
أما بعد:
أرغب في الجلوس على مقعدي في مدرستي التي غابتْ عني منذ ثلاث سنوات، وذهبتْ بعيداً، بين يدي غارة جوية، ولم تعدْ بعد.. أرغبُ بحمل حقيبتي على كتفي وبها كراساتي التي أرسم بها حلمي كل يوم في المدرسة، وأفتقد كثيراً لصديقاتي اللائي تفرقنا عن بعض على وقع قذائف الهاون التي أمطرتنا قتلاً ورعباً ذات يوم ومازالتْ ومازال صراخ زميلاتي يرنُّ على مسامعي منذ ذلك اليوم، لكنني أرغب بالعودة المدرسة ولزميلاتي اللائي أفتقدهنَّ كثيراً، ولا أعلم حتى اللحظة، أي شطر ولَّينَ وجوههن؟ وهل مازلنَ أحياء؟ متى تنتهي الحرب؟
فضلاً آبائي، أوقفوا الحرب الآن الآن، لأرى حياتي، إنني أفتقد كراساتي وصديقاتي ومعلمتي، الآن 
أوقفوا الحرب الآن.
التوقيع :"فتاة يمنية"
8/ مارس/ 2018م.
الرسالة (4)
أما بعد:
مازالتْ طموحاتي عالقة في ذاكرتي منذ ثلاث سنوات، حيثما خبأتها، بعد أن مرَّ بمحاذاة نبضي صاروخكم الحراري وبعض قذائف الهاون من حوش منزلنا وبالقرب من معملي المتواضع، الذي تساقطتْ على قاعه بعض أنبوبات تجاربي وتشظَّى بعضها، لكنني شرعتُ حينها في إصلاحه واستبدال بعضها، وقد انتهيتُ للتو من آخر تجربة، وكانت ناجحة جداً، وستضعني في مرتبة متقدمة من الاكتشاف وبراءة الاختراع، وسأرفع رأس وطني عالياً، وسيُشار لي ولأمي وأبي وأهلي وشعبي ووطني بالبنان..
فقط أوقفوا الحرب الآن الآن الآن، وأجمعوا كل ما في قلوبكم من حب للوطن، واعتزلوا خطاب الحرب على الشاشات الآن، دعوا خطابي يمرُّ الآن على عيون المشاهدين، وستجدون صيغة حب الوطن التي سقطتْ من معاجم أذهانكم وقلوبكم، على وقع إعلانكم القتل حباً للوطن، قبل ثلاث سنوات. 
أستحلفكم بالله والوطن وبأحلامنا التي يحاصرها الموت: "أوقفوا الحرب الآن الآن الآن، لأراكم وتروا ما بين يدي.
الإمضاء: طالب يمني حاد الذكاء. 
22/ مارس 2018م.
*أكاديمي بجامعة عدن
المقال خاص بـ«الأيام»


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى