> القاهرة «الأيام» أ ف ب
في دلتا النيل في مصر في قلب الحقول الخضراء، أمضى فتوح خليفة نحو ثلاثين عاما وهو يزرع "الذهب الأبيض"، لكن إبن محافظة كفر الشيخ يصطدم اليوم بأزمة البقاء التي يعاني منها القطن المصري.
وقف خليفة وسط حقله في قرية محلة موسى محاطا بمزارعات ارتدين القبعات لحماية رؤوسهن من أشعة الشمس الحارقة، وهن يجمعن المحصول الأبيض بأصابعهن.
واشتهر القطن المصري، خصوصا في منطقة الدلتا شمال القاهرة، بجودته في أنحاء العالم لما يتميز به من طول التيلة، وكان يمثّل مصدرا للثروة والتنمية في البلاد.
كذلك أدت عقود من المنافسة العالمية الشرسة، بما في ذلك القطن قصير التيلة الذي يشتهر به عمالقة صناعة النسيج، إلى تراجع هذه الصناعة المصرية.

وانخفضت الصادرات المصرية بشكل ملحوظ، فبعد ما كانت تشكل ما بين 5 و15 % من إجمالي الصادرات العالمية خلال الفترة 1960-1980، باتت اليوم تسجل حوالى 1% من هذا الاجمالي خلال السنوات الأخيرة.
ولا تزال مصر واحدة من أكبر المصدرين للقطن طويل التيلة بعد الولايات المتحدة.
تحديات كبرى
ويرى أحمد البساطي، الرئيس التنفيذي لشركة النيل الحديثة للاقطان، إحدى كبرى شركات القطاع، أنه من الضروري إنتاج القطن قصير التيلة لتلبية الطلب المحلي.
بالنسبة له، يبقى التحدي الرئيسي هو إنتاجية قطاع يبدو أن الزمن قد عفا عليه بعض الشيء. ويقول "الإنتاجية هي التحدي الاكبر لمحصول القطن سواء القصير او الطويل".
وأوصى بإستخدام الماكينات في زراعة القطن على غرار زراعات القمح والذرة بدلا من الزراعة اليدوية.

ويقول محمد شتا مدير البحوث في معهد القطن بكفر الشيخ "القطن (المصري) ننتجه حتى نصدره خاما، لأن مصر لا تمتلك المغازل أو الإمكانيات التي تحول الخام إلى النسيج".
وفي أحد مصانع النسيج شمال القاهرة، تقول ماري لويس بشارة مصممة الازياء "نحن نحاول أن نعرّف العالم على أهمية الموضة المصرية، وأنه إذا اراد إنتاج سلعة فاخرة فيجب استخدام قطن الدلتا الطويل (التيلة)".
محاولة إصلاح
وفي 2011، كانت الانتفاضة الشعبية التي تسببت في سقوط الرئيس حسني مبارك، بمثابة الضربة القاضية للألياف المصرية الشهيرة. وقد أثرت الفوضى الاقتصادية والسياسية التي أعقبت احتجاجات 2011 على جودة إنتاج القطن المصري، وهي القيمة المضافة الوحيدة له حين كانت تكلفة إنتاجه وسعر شرائه باهظي الثمن، لذلك فإن القطاع يحاول جاهدا استعادة هيبته السابقة.
إلا أن عام 2017 أعطى أملاً للمنتجين بعد ارتفاع سعر شراء قنطار القطن (100 كلغ) ليصل إلى 3000 جنيه (145 يورو) ، ولكن سرعان ما تلاشت الآمال وهبط السعر مرة أخرى إلى 2700 جنيه (130 يورو) هذا العام، وهو السعر "الضماني" او الاسترشادي الأدنى الذي حددته الدولة لشراء القطن.
وتم تحرير تجارة القطن التي كانت تخضع لسيطرة الدولة في عام 1994، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال تضمن أدنى سعر يبيع به الفلاحون محصولهم.
وفي السنوات الأربع الماضية، جعل تدخل الدولة من الممكن زيادة زراعة القطن من حوالى 50 ألف هكتار إلى أكثر من 140 ألف هكتارحاليا، وهذا أيضا ما يفسر هبوط الأسعار.
وفي سبتمبر، وافقت الحكومة بشكل تجريبي على زراعة قطن منخفض الجودة (قصير التيلة) - باستثناء مناطق زراعات الدلتا - "لتلبية احتياجات المصانع".
ووفقاً لأحدث الأرقام الرسمية، ارتفعت صادرات القطن المصري بنسبة 6,9% في الربع الثالث من عام 2017-2018 ( مارس- مايو) ، في حين انخفض معدل الاستهلاك المحلي بنسبة 57,9% خلال نفس الفترة بسبب اتجاه مصانع الغزل للأقطان المستوردة، حسب البيانات الرسمية.