أقلام رؤوساء الدول لا تشبه الأقلام الصحفية والأدبية، لأن مساحة حركتها محسوبة وضيقة، وعادة ما تكون باسم الشعب والمصلحة العليا للدولة، هي أقلام تفوح بالهيبة والقوة والسلطة والتأثير والتفاعل، وربما تساهم في تطوير المجتمعات أو قد تتسبب في كارثة لها أو تغير جغرافي أو ديموغرافي، وهناك حالات حرك فيها زعماء دول أقلامهم بالتوقيع فقط فأشعلوا حروبا وأوقفوها، وهناك من غير في أقدار دول عظمى؛ مثل الاتحاد السوفيتي السابق، عندما وقع رئيس دولة الاتحاد السوفييتي السابق «ميخائيل جورباتشوف» على برنامج للإصلاحات الاقتصادية (البيريسترويكا) فجلب الضعف الاقتصادي لبلاده وحكمه، وسرع في عملية انهيار الاتحاد السوفيتي.
نحن في اليمن لدينا رئيس اسمه هادي، قلمه محدود الحركة والتعبير، يسير على قاعدة «فاقد الشيء لا يعطيه»، بسب إلزامية توافق قلم فخامته مع فخامة الرأي الرسمي الإقليمي إلا فيما رحم ربي وهذا ليس سرا، قلم الرئيس هادي يتأثر بالأهل والحاشية القريبة والبعيدة، وفي الغالب لا يتحرك إلا في نطاق التهنئة والتعزية، وتوقيع قرارات ترقية وتعين الأهل والأصدقاء الأحياء وأبناء الأموات منهم في مناصب الدولة العليا، مما شكل هذا القلم كابوساً للشعب في المناطق المحررة، وبالذات في محافظة عدن ومؤسساتها... لماذا كابوس؟ لأن قلم هادي ليس عاديا، وفي طيات حركة هذا القلم الكثير من التحيز والمحاباة والحنين إلى الماضي والأصدقاء والمنطقة، ولأن هذا القلم في كثير من حركته يفتقد «للعدل والمهنية والإنصاف»، ضاعت بسببه مدينة عدن وسكانها وخدماتها ومؤسساتها، و«أنت كمواطن» لا تملك أمام هذا القلم الكابوسي إلا الشعور بالاكتئاب والحسرة والدهشة الشديدة، وما يزيد الأمر اندهاشًا هي «أسباب حركته، والهدف منها، وشخصية المستفيد وكفاءته».
قلم عفاش قبل مصرعه رغم فوضويته وظلمه وفساده تحرك في كثير من المرات لصالح بناء العاصمة صنعاء والمواطن، من خلال تحديث وبناء شبكة الطرق والجسور والأنفاق وقنوات الصرف الصحي، وكذلك قام بعملية تثبيت الأمن من أجل الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وأنشأ وافتتح العديد من المدارس والكليات، بينما الناس في عدن تشتكي من قلم فخامة الرئيس هادي المخيب للآمال، وتتمنى أن يتحرك قلمه ولو مرة واحدة باتجاه الكفاءات الحقيقية، وتحسين الأوضاع والتنمية والأمن، عبر قرارات مرتبطة بقضايا المواطن والمحافظة عن قرب، وبحضوره شخصياً في البلاد وليس من خارجها، أو من خلال ما يسمعه أو ما يملئ عليه، لأن حركة قلم فخامته يجب أن تكون ملامسة ومنسجمة مع الشعب وواقعه، «فقلم الحاكم» مسؤولية وطنية ولا يعني الذكاء والقوة، وأن تكون ذكيًا وقويًا؛ لا يعني أنك يجب أن تكون رئيسًا بالضرورة، ولكن إن أصبحت رئيسًا بالصدفة؛ حاول على الأقل أن تجعل بعضًا من قراراتك عادلة وصحيحة؛ لأن الدولة والأمة ليسا حقلا ثابتًا صالحًا لتجاربك ومزاجك طوال الوقت، بل كائنا حيا حيويا ومتفاعلا، والناس يتوقعون الكفاءة والجهود المخلصة لتحسين حياتهم من قلم الحاكم، وفي نفس الوقت يمكن للحاكم الاعتماد على احترام ودعم رعاياه إذا كان يضمن لهم حياة سلمية كريمة وآمنة.