> علاء بدر أحمد:
- بين وعود الحكومة وآمال الموظفين.. راتب مايو لايزال مفقودا
"قالوا الراتب قبل العيد... وانتهى العيد دون أن نراه".. تلك العبارة التي تتردد في أزقة المدينة وعلى ألسنة الموظفين والمتقاعدين والمعلمين. الجميع كان يترقب ما أعلنت عنه وزارة المالية قبل العيد: صرف راتبي إبريل ومايو دفعة واحدة. "أبشروا قبل الأضحى"، قالوا، لتكون المفاجأة أن العيد مضى، ومرتبات مايو ويونيو ما تزال حبرًا على ورق.
- ضحك على الذقون
"الناس ما عاد يصدقوا، تعبوا من الأكاذيب المتكررة"، يقول أحد الموظفين، ويضيف: "صارت المرتبات وسيلة للدعاية السياسية. كل مرة قبل العيد نفس القصة: وعود، ثم صمت، ثم لا شيء".
المتقاعدون العسكريون والأمنيون هم الفئة الأكثر تضررًا. فبعد أن أفنوا أعمارهم في خدمة البلاد، يجدون أنفسهم اليوم يتسولون رواتبهم الهزيلة التي لا تكفي لشراء كيس دقيق. "شهران دون راتب، رغم أننا في أمسّ الحاجة له"، يقول أحد المتقاعدين، ويضيف بحرقة: "كان وعدهم أن لا يأتي العيد إلا ونحن مستلمون، فجاء العيد وجاءت الخيبة معه".
المعلمون بدورهم باتوا ضحايا حلقة مفرغة من الإهمال والخذلان. فحتى شهر أبريل كان آخر ما استلموه، ومنذ ذلك الحين وهم يعيشون على الديون والمساعدات إن وجدت. "من يضحك على الجائع لا يدرك حجم جوعه"، تقول معلمة من مديرية الشيخ عثمان، وتتابع: "نحن نعلّم أبناءكم ونموت جوعًا، أين العدالة في ذلك؟".
في مشهد موازٍ تتواصل مزادات البنك المركزي بالدولار الأمريكي. ففي 13 مايو، تم بيع 30 مليون دولار بسعر 2518 ريالًا للدولار، ليرتفع السعر بعد ستة أسابيع فقط إلى 2659 ريالًا في مزاد آخر بتاريخ 29 يونيو. فرق شاسع يعكس انهيارًا مدويًا للعملة الوطنية، وانعكاسًا مباشرًا على الأسعار التي باتت خارج السيطرة.
في شوارع عدن، لا أحد يهتم الآن بمن سيتولى رئاسة الحكومة أو من يصدر البيانات الرنانة من وزارات عديمة التأثير. الناس تريد فقط ما يكفي ليومهم: ماء لا يشترى بسعر الوقود، كهرباء لا تنقطع في منتصف الليل، ودواء لا يُحتكر.
الناس في عدن لم يعودوا يطالبون بالكماليات... بل بيوم بلا جوع.. أصبح البقاء على قيد الحياة إنجازًا يوميًا. لم تعد المعارك تدور بين جماعات سياسية أو قوات متنازعة فقط، بل أصبحت كل عائلة تقاتل وحدها ضد الجوع، ضد المرض، ضد الوعود الفارغة.
"نريد راتبًا، لا بيانًا صحفيًا"، يقول موظف في إحدى الدوائر الحكومية، ويضيف: "نريد أن نأكل قبل أن نُدفن، نريد أن نعيش يومًا واحدًا دون إذلال".
- الناس تدفع الثمن
لكن عدن تعرف... وأهلها يعرفون.
والسؤال اليوم ليس: "متى يُصرف الراتب؟"
بل: "كم روحًا أخرى ستخسرها المدينة قبل أن تفي الحكومة بوعودها؟".