الإضراب وتعليق العمل حق مشروع ومكفول خاصة بعد استنفاد الوسائل السابقة التصاعدية، لكن يظل إضراب القضاة حالة تكاد لا تتكرر في أغلب الدول، ربما لأن تلك الدول أكثر رشدا وتجربة وهي تعي بعمق أن شل مكون رئيس ومحوري من سلطات الدولة الثلاث وهي السلطة القضائية معول عليها ومن صلب اختصاصها تقييم أي اعوجاجات تخل بحقوق الأفراد أو توقف أي تجاوزات للأفراد اعتباريين كانوا أو طبيعيين بما فيهم الدولة.
إن الأمور في تقديرنا ما كانت تصل إلى هكذا خيارات إلا بسبب عدد من العوامل والاختلالات، ليس فقط في كل مكون من مكونات سلطات الدولة بل إن الاختلال في ذات السلطة القضائية ومكوناتها الهيكلية هو المنتج الرئيس لكل ذلك.
هذا الوضع امتد حتى في الحلول المرادفة للأزمات والحلول التواففية التي تلد مشلولة ومشوة. ولعل هيكلية السلطة القضائية هي نموذج متفرد اختلط فيه السياسي بالقضائي، وهنا الخطورة.. وثمثل ذلك بالتعديلات التي جرت على قانون السلطة القضائية وحكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا والذي صدر في زمن حرج ومريب، والذي قضى بعدم دستورية بعض المواد من قانون السلطة القضائية وما لحق ذلك من تعديلات بغير تمعن وتمحيص.
إن التركيب الحالي الهيكلي للسلطة القضائية ضرورة ستلازمه إخفاقات في كل شأن من شؤونه حتى يصير جزءا من المشكلة لا الحل. الموضوع متشعب ولنا عودة لتفصيل واقتراح الحلول بالإفادة من إرهاصاتنا والإفادة إلى ما انتهى له الآخرون من هيكلة فاعلة ورشيدة وشفافة بقواعد حوكمة لا لبس فيها ولا مجال للتأويل.
هل التسويات وإقرارها هي المعضلة الأكبر؟! هل هي تحل كل مشاكل القضاء ومطالبات القضاة حتى إذا أضفنا لها ما خص العلاج؟ في تقديري أن التسويات هي الالتفاف على مطالب القضاة خاصة قضاة الجنوب!! صرخ قضاة الجنوب من ما تعرضوا له من ضيم منذ الوحدة، وصرخوا من مظالم ادعت قيادات المجلس بصحتها في أكثر من لقاء وهي معلومة وموثقة وذلك إبان الوصول الأول لقيادة الدولة لعدن.
ولم يجيروا الثقة التي تكاد تكون مطلقة التي منحهم إياها رئيس الجمهورية إلا فيما رأوا مصالح أعضاء المجلس وحدهم متجاوزين حتى صلاحيات الرئيس ذاته في بعض التعيينات لبعض الوظائف القضائية بحسب قانون السلطة القضائية.
السؤال: لماذا ولمصلحة من جرى ويجري تعطيل عمل القضاء؟!! هذه غيض من فيض.
القضاء هو أصل كل إصلاح وهو ضامن الحقوق ومناط تحقيق العدل، وهو الضمان لكل تنمية واستثمار ناجح.. البداية من هنا والمنطلق أن أردتم بناء دولة مدنية، دولة النظام والقانون.