> شذا الخطيب
تحدثت بإسهاب عنه، وعن غرامها الذي لم تتمكن من مقاومته، وانفعالها الظاهر كلما ذكر اسمه أو التقت به، كنت أستمع لها مراعاة لفيض مشاعرها التي كادت أن تنفجر، رغبةً في أن تخفف عبءاً عن كاهل عشقها الكبير له، لم أكن أملك إلا أن أقول لها: أن تنتبه، ربما لا يحبها. ربما مغرم بغيرها، ربما لا يعنيه أحد، فقط يريد أن يشبع غروره كرجل وسيم مرغوب به، إلا أنها لا تصدقني، فقط أرادت أن تستمع لنداء روحها وعاطفتها الجياشة، تتذكر بعض نظراته التي توهمت أنها عشقاً، فأنظر لها بشيء من الشفقة، بشيء من الحزن والحيرة.
أيكذب عليَّ، ويغويها بحلو كلامه؟! قال إنه يحبني ولم يقل لها، عبر لي مراراً عن حبه لي، ووعده لي بأن نكون معاً، لكن ليس الآن. هناك أمور عديدة عليه أن ينتهي منها، وكان عليّ أيضاً أن أكون متفرغة لبداية جديدة، مع زوج مثله، بدأت أشعر بالشك؛ بأنه يماطل لأنه لا يحبني، بل يحبها هي، أسأل نفسي: كيف لو عرفت أنني من أحبها وأختارها زوجة له، وهي من توهمت حبه لها، مؤكَدٌ أنها ستلومني، وستخبرني أنني كنت أستمع لها وأضحك سراً عليها، وأنني مارست معها شيئاً من الخديعة، بل ربما الخيانة، ربما تتهمني أنني من أغويته وخطفته منها، أمرٌ مزعجٌ أعتلج في صدري، حاولت أن أبتعد، أن أتجنب الاحتكاك بها. لكنني بالنسبة لها الملاذ الذي تعبر من خلاله عن شغفها به. أخبرته ولامني، قائلا: كان عليك مصارحتها.
توقفت أفكر بماذا أصارحها؟ وهو حتى لم يهدني خاتم خطوبة. ربما يخاف أن تسرق خطوبتنا عنه المعجبات اللواتي يحُمن حوله، هل عليّ أن أنتظره حتى يكبر في العمر وينحسر سواد شعره إلى بياضه، وتلمع جبهته وتضيق عيناه وتزداد تجاعيده، ثم يختار فتاة صغيرة تنجب له، وأظل أتحسر على عمري الذي ضاع انتظاراً، وأرى من أحبته تزوجت لأنها يأست أن يبادلها الحب، وأنا من أحببته انتظره كي لا يضيع الأمل..
مضت شهور، وتقدم لخطبتي وأعلنت بهدوء خطوبتنا رغم أنها خُطبت، إلا أنها أفرغت حقدها عليّ بكلمة أوجعتني، اشتكيت له فقال لي: لا تهتمي.. تزوجتْ وعاشت بهدوء مع زوجها، وتزوجتُ والغيرة تنهش قلبي. وسيم تحوم حوله المعجبات لشهرته، وقفت كالظل بجانبه، شعرت بالغضب كثيراً وتخاصمنا مرات عديدة، فكرت بالطلاق وتراجعت، وعدت أفكر به وأتراجع، إلى أن قلت له بصراحة لقد سئمت، تمنيت لو كنت في مكانها وتزوجت بغيرك، كنت أظن نفسي محظوظة، ولكنها كانت أكثر حظاً، تعيش بهدوء مع زوج مسالم لها وحدها، لا يمتلك تلك الحظوة من الشهرة أو المكانة، تلجأ إليه كل ليلة وتنام بحضنه، لا تزعجها اتصالاته أو سفراته.
آه كم جرحتني كلماته.. إنه يعايرني لمضي سنتين على زواجنا ولم أحمل منه، أردت أن أرد عليه الصاع صاعين، فقلت بجرأة ربما أنت الذي لا تنجب.
شعر أنني جرحت كرامته، ولم يمض أسبوع حتى كنا في عيادة الطبيب نقوم بالفحوصات اللازمة، وبعد ذلك كانت النتيجة المُرة.. إنه حقاً لا ينجب، وأنا سليمة.. هنا أصبحت الهوة كبيرة بيننا، لقد أنزوى إلى نفسه، وكأن عُقمه جعله مسلوب الرجولة، لاهدف له في الحياة، وسوف ينقطع نسله. شعر بأنني أشفق عليه، ضمنياً، أحسست بدايةً بالراحة لأنني لست السبب، إلا أن القلق عاودني بعدما رأيته متشائماً ويتحول من طيب إلى وحش. يفرغ عجزه عليّ ويجرحني كثيراً.
رأيتها مرة بعد ذلك فسألتني عن أخبارنا، كنت أود أن أخبرها أنها حقاً محظوظة وإنني بدلاً أن آكل العسل، شربت الحنظل، فكرتُ كثيراً وتأسفت إلى ذاتي. أصبحت علاقتنا واجباً لا أكثر. حتى حاصرني أهلي بأن عليّ الاختيار، إما الطلاق أو أن أحسن علاقتي به، اجتمعت به وتصارحنا وأعطاني حرية الاختيار، كنت أتشوق لأصبح أماً، أن أحمل وأرضع طفلا، أن اشتاق وأتلهف عليه وألاعبه وأدرسه وأحضنه وأراه يكبر أمامي وأنجب له أخا ووو... بعد فترة هدأت كل انفعالاته وعاد من جديد لنجاحه وتفوقه. وطلب مني أن أكمل دراستي وأن أصنع له شيئا لذاتي يعيش معي بقية العمر، أن استفيد منه.
قلت لها بكل رضى، لا شيء يرضى النفس غير القناعة أنها اقدارنا وعلينا أن نؤمن أن كل ما يجرى لنا خيرا، رضيتُ ورضيتِ وما علينا غير الحمد، فابتسمت لي وقالت: الحمد لله