> عماد البليك
من الجماعات الغامضة في التاريخ الإسلامي إخوان الصفا التي ترجح أغلب الروايات أنها نشأت في القرن الرابع الهجري في عصر دولة البويهيين الذين حكموا منذ مطلع العقد الرابع من القرن نفسه، إثر المجاعة والوضع الاقتصادي السيئ في بغداد، حيث تدخلوا لإنقاذ الأوضاع السياسية التي كان يسيطر عليها العساكر الأتراك، وحيث كانوا يتحكمون في تعيين الخلفاء في فترة من العصر العباسي، كان الخليفة لا يمكث أحياناً سوى يوم واحد بالسلطة.
وكانت الحضارة الإسلامية قد تداخلت فيها الفلسفات والأفكار من الشرق والغرب، من الهند إلى فارس واليونان، وفي تلك الفترة نشأت شخصيات عديدة ساهمت في الفكر، وفي هذه الأجواء جاءت رسائل إخوان الصفا التي يصل عددها إلى 52 رسالة، كأنها توازي عدد الأسابيع في السنة الميلادية.
أين كتبت؟ ومن كتبها؟
ثمة اختلاف هل كتبت الرسائل في البصرة أم بغداد، أم أنها تراوحت بين هنا وهناك؟
والأمر الثاني هل كان كاتبها شخصا واحدا أم جماعة من الناس؟ وهل كانت بعلم السلطة أم لا؟ بمعنى هل كان طابعها سياسيا واجتماعيا أم فلسفيا وفكريا بحتا؟
وفي كل الأحوال تظل هذه الأسئلة مثار اقتراحات وجدل ما بين التأكيد وعدمه، وهنا يمكن الوقوف مع عدد من الكتب الحديثة التي ناقشت ذلك للإفادة مثل كتاب "إخوان الصفا - فلسفتهم وغاياتهم" للدكتور فؤاد معصوم، الرئيس العراقي الحالي، وهناك كتاب مهم للمفكر السوري فراس السواح باسم "إخوان الصفا.. الطريق إلى الغنوصية الإسلامية"، وكتاب "إخوان الصفا.. المفترى عليهم: إعجاب وعجب" للمفكر العراقي رشيد الخيون، وربما هناك مؤلفات أخرى.
ويشير عميد الأدب العربي إلى العناية بكتابة ألفاظها وأساليبها عناية أدبية خالصة، ففيها خيال كثير، وفيها تشبيه متقن، وفيها ألفاظ متخيرة، ومعان ميسرة.
الطريق الغامض
لكن الإشارة ذات الدلالة أن الطريق إلى فهم إخوان الصفا لا يزال غامضاً، ولابد أن فلسفتهم ومبادئهم التي جمعت بين العقيدة والفلسفة والعلوم الطبيعية وحتى الشعوذة مرات، تتطلب كما يرى الباحثون، إعادة قراءة ضمن الكثير مما يتطلب قراءته من التراث العربي والإسلامي الزاخر الذي سوف تعمل غربلته وقراءته الجديدة إلى رؤية وزاوية نظر مختلفة للعالم والتاريخ.
وقصة رسائل إخوان الصفا تكشف في خلاصتها أن الفكر التاريخي لهذه المنطقة، فيه الكثير مما يمكن الرجوع إليه لبناء القيم والمعاني الإنسانية وتقريب المسافات بين الشعوب وإعادة رسم مسار التاريخ بشكل أفضل.