> طالب الحسني
هناك نزوح سياسي وإعلامي من أنصار هادي و "الشرعية" في الرياض باتجاه القاهرة ومسقط وأنقرة، وربما عواصم أخرى، ونزوح مماثل نحو العاصمة اليمنية صنعاء، وثالث مشابه ولكن للطواقم الأممية من عدن جنوب اليمن، نحو جيبوتي، هذا النزوح يتفاعل مع متغيرات في ملف الأزمة اليمنية، لا يمكن القفز عليها والتصديق للبيانات المتناقضة بشأن أحداث عدن الأخيرة، وما يطلق عليه البعض "انقلاب الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات على "شرعية هادي" في الـ 10 من هذا الشهر أغسطس 2019.
السعودية في الطريق إلى خسارة حليف "يمني" جديد، هادي المعتكف في الرياض، هو الآخر يسير باتجاه خسارة نصف الموالين له، وربما الحلقة الأقوى منهم، بسبب موقف السعودية، وبالتالي التحالف، الغامض عند البعض، والملتبس عند البعض الآخر، والواضح عند الكثيرين، من دعم والتغاضي عن سيطرة الانفصاليين الجنوبيين بدعم من أبوظبي على عدن، هذه الأخيرة كانت أول آمال التحالف في كسب الحرب لصالحه، والوصول إلى العاصمة صنعاء.
الحلول الترقيعية، والتي هي أشبه بالمسرحية، والمعالجة السعودية لأحداث عدن، لا تبدو مقنعة لأحد، بل على العكس، زادت لدى البعض مستوى جديد من الإحباط، واليأس، لدرجة أن يقول وزير خارجية سابق (عبد الملك المخلافي) في حكومة هادي، إن التحالف الذي تقوده السعودية منذ مارس 2015 يفقد الثقة به، ربما هذا أخف الاتهامات التي وجهها حلفاء أصبحوا "قداما الآن" للرياض ولسلمان ونجله ولي العهد السعودي.
ما يحدث مقدمة، فالتسوية جنوب اليمن معقدة، ولا تملك السعودية خيارات كثيرة للمبادلة، فإماء أن تمضي باتجاه الحفاظ على "الانتقالي الجنوبي" الذي يعمل على فرض أمر واقع، وتثبيت سلطاته، واستكمال طرد أنصار هادي من بقية المحافظات الجنوبية بدعم من أبوظبي، أو إجراء تسوية شكلية، تسمح بوجود محدود "لحكومة هادي" في بعض الأبنية في عدن ودون قوات عسكرية، وهذا يعني البقاء في أزمة ستخلق أزمات أخرى وهكذا متتاليات.
ما يعزز هذا التوجه ثلاث نقاط رئيسية:
الأولى: قناعة الرياض بأن إعادة هادي إلى العاصمة صنعاء والحسم العسكري باتت شبه مستحيلة، وهي القناعة التي باتت مركزية لدى حلفاء السعودية الدوليين، ويظهر ذلك في التصريحات المتكررة للمسؤولين في البيت الأبيض، على الرغم من استمرار دعمهم للحرب ورغبتهم في استمرارها.
الثانية: إن أبوظبي والرياض يشتركان في العداء للإصلاح (إخوان اليمن) وهؤلاء حلفاء هادي والحلقة الأقوى في مجموعته.
الثالثة: أطماع السعودية، وهنا مربط الفرس، فما ستحصل عليه السعودية من الانفصاليين، إذا تحقق الانفصال (وربما هذا سيتأخر) هو ما كانت تبحث عنه الرياض منذ عقود، أعني هنا أطماع السعودية في حضرموت شرق جنوب اليمن، وكذلك في المهرة، وهي أطماع تتعلق أولا بالنفوذ، وثانيا بتمرير أنابيب نفط ومياه من المملكة مرورا بمحافظة المهرة وصولا إلى البحر العربي بطول 900 كليو متر، هذا مشروع قديم يراود السعودية منذ عقود، للهروب جزئيا من مضيق هرمز.
في هذا السياق، تعتقد السعودية أن التضحية بالإصلاح لن يتسبب في تحول موقف هادي، هذا الأخير لا يملك القدرة ولا الجرأة للخروج عليها، وخصوصا أن المعالجة التي يجري التحضير لها تتضمن الإبقاء عليه بصورة شكلية وغير عملية، ينسحب على ذلك أن الإصلاح لن يتصالح مع أنصار الله الحوثيين وحلفائهم لاعتبارات كثيرة، لكن في النهاية سيؤدي ذلك إلى توقف المواجهات في الجبهات التي تمولها السعودية في بعض المناطق المحسوبة على الشمال اليمني.