قبل ثلاثة أيام صادفت صديقي عوض حبتور، فحكى لي موقفا أثار دهشته لبعض الوقت، حيث قال: عند خروجي من منزلي صباح اليوم، وأنا في طريقي إلى مستشفى صابر في ريمي بسيارتي لم أصدق ما حدث للطريق المعتاد، فقد كان يختلف عما عهدته من قبل، فهو اليوم أكثر روعة!، لقد اختفت الدراجات النارية التي تثقّل عليّ السير في الطريق، والمدهش هو أين ذهبت؟ لا يمكن لتواجدها المستمر والكثيف على الطرقات أن يزول بين ليلةٍ وضحاها، لابد أن يكون هناك سر، أو ربما نمت نوم أهل الكهف، الذين لبثوا في كهفهم سنين، وفجأةً انقطع حبل تخيلاتي واختفت دهشتي، فقد وقعت عيني على نقطة أمنية كبيرة ومستحدثة، وكان عتادها ضخما وغير عادي فتوقفت عندها، وبدأت تتضح لي الصورة وأدركت أن هناك حملة أمنية منعت حركة الدراجات النارية، وشعرت لحظتها بأهمية وقيمة شبكة النت التي كانت توافيني بالأخبار، فقد انقطعت خدمتها عني منذ أيام قليلة وأهملت تجديد الاشتراك!

مما لاشك فيه أن ما قاله صديقي عكس الحالة المزعجة للطرقات في عدن مع تواجد الكم الهائل من الدراجات النارية، ولا يمكن لأحد أن يلقي اللوم على رجال الأمن في حملتهم الأمنية المباركة والتي خصصت لمنع حركة الدراجات النارية وحظر سيرها في طرقات وشوارع محافظة عدن، فتلك الحملة لم تأتِ من فراغ وإنما كانت نتاجا لتراكم عديد من المشاكل والمضايقات التي تعرض لها المارة وسائقي السيارات أيضاً من جراء الانتشار المزعج للدرجات النارية وبأعداد مهولة ومستفزة في الشوارع والطرقات، كما تسبب ذلك الوضع العشوائي لسير الدرجات النارية بحوادث مرورية كثيرة وكان معظم ضحاياها من موتى وجرحى هم من سائقي تلك الدرجات وأيضاً من مرافقيهم الذين يتجاوز عددهم في بعض الأحيان الثلاثة، بينما من المعروف والقانوني أن حمولة الدراجة النارية تكون من سائق ورديف فقط، ولقد اكتملت الحلقة وضاقت حول الدراجات النارية، بعد أن شهدت عدن في الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في منسوب جرائم الاغتيالات، وكان للدرجات النارية إسهام كبير في تلك الجرائم، فهي وسيلة نقل وحركة جميع الجناة، وكما أنها سهلت فرارهم أيضاً من مسرح الجريمة بعد تنفيذ عملياتهم القذرة.

وبالرغم من المشاكل والخطوب التي أحدثتها الدرجات النارية في عدن، فهناك زاوية أخرى لتلك المسألة ينبغي أن تراجعها الأجهزة الأمنية، وهي أن الدراجات النارية وسيلة نقل شرعية وضرورية في حالات عديدة، ومسموح استخدامها في مختلف طرقات وشوارع جميع مدن العالم، ولا ينبغي حظر استخدامها على أبناء عدن، وخاصة أن الدراجة النارية قد تحل كثيرا من صعوبات المواصلات لدى البعض، وتخفف عليهم من التكاليف الباهظة لوسائل النقل الأخرى، وبالذات في هذه الفترة وفي ظل هذه الحرب التي أدت إلى تدهور اقتصادي تسبب في موجة غلاء أرهقت حال المواطن، لذلك وفي تقديري من الأحرى أن يكون ذلك الحظر مؤقتا، وهو حقاً جاء في وقت مناسب، ولكن على الأجهزة الأمنية أن تسعى في التحضير لترتيب آلية سليمة تضمن سيرا طبيعيا للدراجات النارية في شوارع وطرقات عدن بحيث يكون عددها محدودا، ولا يسمح للوافدين استخدامها، وتحمل جميعها أرقاما رسمية من إدارة المرور، ويتقيد سائق الدراجة بسن قانوني ورخصة قيادة.