> إياد قاسم
تزامنا مع أزمة الكهرباء والأمراض الفتاكة القاتلة مثل الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا التي تفتك بمدينة عدن، وكذلك أزمة فيروس كوفيد 19 المستجد، التي استنزفت قدرة القطاع الصحي الهش بالفعل في جنوب اليمن. يحدث ذلك وسط استغلال سياسي واسع النطاق لهذا الواقع المأساوي من قبل السلطات المقيمة في الرياض، والتي تسعى إلى استعادة السيطرة على المدينة التي تقع في بؤرة المعارك السياسية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يناضل من أجل الاستقلال.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، فمنذ 10 أبريل، وصلت حالات كوفيد 19 إلى 323 حالة إصابة، وما يزيد عن 80 حالة وفاة في المناطق التي تقع تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. معظم حالات الإصابة بالفيروس التاجي وقعت في عدن، لكن الأطباء قالوا إن الحالات الفعلية على الأرض تفوق بكثير ما يتم الإبلاغ عنه.
المتظاهرون حينها رفعوا شعارات تطالب بعودة وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري وهو شخص غير مرغوب فيه في عدن يقيم حالياً في مدينة صلالة بسلطنة عمان. في الأسبوع الأول من شهر مايو، ظهر الميسري على قناة الجزيرة الإخبارية داعياً القوات الحكومية لاقتحام عدن ومحاربة القوات الجنوبية المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
علاوة على ذلك، في 11 مايو، بعد يومين من دعوة الميسري، هاجمت القوات الحكومية التابعة لحزب الإصلاح، قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في منطقة شقرة بمحافظة أبين. تصاعد القتال وسط خسائر عسكرية من الطرفين، لكن جهود القوات الحكومية فشلت في تحقيق أي تقدم، فضلا عن فقدانها قيادات عسكرية بارزة بينهم قائد اللواء 153 مشاة العميد محمد العقيلي.
إثارة الفوضى
نشطاء محليون في عدن قالوا إن أعمال تخريب طالت أيضا شبكة الكهرباء في المدينة. وسببت انقطاعات واسعة لساعات طويلة، دفعت الأهالي للتعبير عن غضبهم أمام المجلس الانتقالي الجنوبي. وطالبوه باتخاذ إجراءات عملية لإنهاء معاناتهم.
وقال المواطن سعيد قاسم المقيم في مدينة كريتر لـ سوث 24 "بعض الناس لا يريدون الالتزام بتدابير الحظر وهاجم المتظاهرون قوات الأمن التي منعت التجار من فتح متاجرهم"، مضيفًا أن "الناس يموتون بسبب الأمراض المنتشرة، لكن السياسيين يريدون تسوية الحسابات السياسية وخلق الفوضى". على الرغم من أن حكومة هادي تعتبر تصرفات المجلس الانتقالي بمثابة تمرد، إلا أن الحكومة لم تقدّم أي حلول لإنقاذ الناس منذ كانت تتواجد في المدينة، سعت، عوضاً عن ذلك، للتنافس مع المجلس الانتقالي بدلا من التعاون معه.
مساء الخميس 21 مايو، أصدرت وزارة الداخلية اليمنية بيانا أدانت فيه الإجراءات الأمنية لفرض حظر التجوال من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على كوفيد 19، وفقا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ. يسعى الميسري لإيجاد موضع قدم في المدينة التي غادرها في أغسطس 2019، دون التفكير في مصالح الناس وحالتهم الصحية، في ظل الانتشار الواسع للأمراض الفتاكة. وقد خلق هذا تصورًا حاسما، بأن الحكومة تسعى فقط لإثارة الفوضى.
لسوء الحظ، يعاني سكان جنوب اليمن منذ فترة طويلة من اللامبالاة التي انتهجتها الحكومات اليمنية المتعاقبة. ليس سراً أنه عندما طاردت قوات الحوثي هادي في عدن، غادر هادي ورفاقه المدينة إلى الرياض قبل ست سنوات ولم ينظروا أبداً إلى الوراء. تعاني عدن من الإهمال منذ ذلك الحين وتُركت بدون قيادة أو رؤية. كان الموالون لهادي المعينون يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم انتهازيون وفاسدون.
خروج عن السيطرة
يحتاج السياسيون اليمنيون إلى أن يفهموا أنه الأزمات في عدن والجنوب قد تخرج عن السيطرة بسرعة. ذكر المجلس الانتقالي الجنوبي أن عدد الوفيات في عدن نتيجة فيروس كوفيد 19 وأمراض أخرى منذ 1 مايو قد وصل إلى 950. ويعيش العديد في عدن في ظروف رهيبة ويتعين عليهم تحمل نقص الخدمات الأساسية مثل المياه، الصرف الصحي والكهرباء، وهو أمر شديد القسوة في ضوء درجة حرارة عدن التي لا تحتمل.
قال المجلس الانتقالي الجنوبي في تصريح صحفي سابق نشره مكتب المجلس في أوروربا: "إن وسائل علاج هذه الأمراض واحتوائها غير موجودة حاليًا. وما لم يتغير الوضع بسرعة، فإننا نستعد لمعدلات وفيات تقترب من مائة بالمائة للحالات التي تتطلب المساعدة الطبية".
وحذرت منظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة من خطورة انتشار فيروس كوفيد 19 في اليمن، خاصة في عدن.
وأشار الأمين العام إلى أن مؤتمرا للمانحين سيعقد قريبا، وأعرب عن أمله بأن يظهر المجتمع الدولي التضامن مع الشعب اليمني ويمول المساعدات بالحجم المطلوب.
تفاقم الوضع المأساوي في عدن بعد الفيضانات التي اجتاحت المدينة في أبريل 2020. منذ طرد الحوثيين من عدن في مايو 2015، لم تشهد المدينة أي تحسن في الخدمات العامة. ويتهم السكان السلطات الرسمية بالتسبب في ذلك. تشتعل الكهرباء بضع ساعات في اليوم. المياه ملوثة، ويشكو موظفو الدولة من تأخر الأجور لشهور. الفساد المنتشر لا يساعد في تحسين الواقع.
بداية جيدة
يتساءل الكثيرون عما إذا كان المجلس الانتقالي الجنوبي قادرا على إنقاذ المدينة. ففضلا عن المعارك العسكرية التي يخوضها مع قوات الحكومة اليمنية في أبين ومع الحوثيين في الضالع، يكافح المجلس الانتقالي على أكثر من جبهة أخرى، أعلن عن تشكيل لجنة اقتصادية، وأخرى إشرافية تتولى مشكلة الكهرباء. بذلت دوائر المجلس الاغاثية والشباب جهود جيدة أيضا، في تنظيف وتطهير بعض شوارع مدينة عدن من مخلفات السيول، وفضلا عن ذلك تحاول فروع المجلس في المحافظات الأخرى من جنوب اليمن، تقديم أعمال إنسانية ومساعدات، كدعم طبي للمستشفيات وتنظيم حملات رش.
منذ إعلان الإدارة الذاتية سعى المجلس لإجراء بعض التغييرات الإدارية، مثلا في مستشفى الجمهورية التعليمي، عيّن مديرا له خلفا لآخر غائب عن وظيفته منذ شهرين. أعلنت اللجنة الإشرافية التي شكلها رئيس الإدارة الذاتية في الجنوب اللواء أحمد بن بريك عن شراء مولد كهرباء لمحجر مستشفى الجمهورية الصحي المخصص لمجابهة فيروس كورنا، كما أعلنت عن إجراءات عملية قالت إنها اتخذتها، لتحسين خدمة الكهرباء في عدن، بينها شراء طاقة.
لا يزال وفد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة رئيس المجلس اللواء عيدروس الزبيدي في الرياض، تلبية لدعوة وجهها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. يخوض المجلس على ما يبدو معركة سياسية أخرى هناك.
إن المهمة ليست سهلة على "لجنة الإدارة الذاتية" التي وعدت بعمل الكثير ولا يمكنها تغيير الوضع بين عشية وضحاها، ولكن حتى الآن، شهدت عدن في الأسابيع الثلاثة الماضية قيادة أكثر تعاطفًا وتفانيًا من العقود الثلاثين الماضية من العنف والإهمال. بالطبع ليس كثيرا في الوقت الحالي، لكنه البداية.