> تحليل خاص

تتصاعد تحركات المبعوث الأممي مارتن جريفيثس لمحاولة احتواء التصعيد العسكري بين السعودية والحوثيين والدفع باتجاه الحل السياسي الشامل، لكن مشكلة المبعوث الأساسية باتت أنه أصبح هدفا لانتقادات الجميع مما أضعف دور الأمم المتحدة في الأزمة اليمنية.. وأصبح المبعوث الأممي اليوم منزوع الثقة من قبل الأطراف اليمنية.

جريفيثس مخول لحل الأزمة اليمنية بين الشرعية والحوثيين فقط، ولا وجود له على ساحة الجنوب وما يعتمل فيها، لكنه في الأشهر الأخيرة أصبح أقرب إلى المشلول بين الأطراف اليمنية.

لكن انعدام الثقة في جريفيثس في جانب الشرعية بدأ منذ تعيينه، وبحسب ثلاثة مسؤولين في الشرعية تحدثت إليهم «الأيام» هذا الأسبوع، فإن الحوثيين وافقوا على تعيين مارتن بعد التزمه لهم بثلاثة أمور هي: 1. تبديل إسماعيل ولد الشيخ 2. عدم السماح للتحالف العربي بالاستحواذ على الحديدة و3. تغيير القرار الأممي 2216 الذي ينص في بنوده على انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها وترك السلاح.. ويقول المسؤولون إنهم استمعوا إلى تسجيل مسرب للقاء الذي تم بين جريفيثس والحوثيين في مسقط قبل تعيينه في 16 فبراير 2018م.

هذه المعلومة تفسر بشكل كبير حالة الترقب التي شابت عِلاقة المبعوث الأممي بالحكومة الشرعية اليمنية منذ البداية والتي لاحظها من لهم عِلاقة بدوائر السياسة اليمنية على الدوام.
من جهته أعلن التحالف العربي الخميس الماضي تنفيذ عملية وصفها بـ "النوعية" ضد أهداف عسكرية بمحافظات يمنية من ضمنها صنعاء، ردا على إطلاق الحوثيين صواريخ بالستية وطائرات مسيرة على مدن جنوب السعودية والرياض.

التصعيد العسكري الجديد يأتي وسط تحركات محمومة للمبعوث الأممي للملمة الوضع والعودة إلى التفاوض، لكن الاتهامات المتبادلة بين الحكومة الشرعية والسعودية من جانب والحوثيين من جانب آخر حول المسؤول عن التصعيد انتقلت إلى تصعيد ديبلوماسي آخر أصبح المبعوث الأممي فيه هو الهدف للطرفين.

جريفيثس الذي طار إلى سلطنة عمان للاجتماع بالحوثيين فشل حتى في لقائهم، وتكشّف لاحقاً أنهم هم من رفض اللقاء. فقد قال جمال عامر، ‏ناشر ورئيس تحرير صحيفة الوَسَط اليمنية، على تويتر: "رفض رئيس الوفد التفواضي محمد عبد السلام مقابلة المبعوث الأممي أثناء زيارته اليومين الماضيين إلى مسقط ومعه السفير البريطاني لأسباب وجيهة تتمثل بكون طلب اللقاء يتم في ظل تصعيد عسكري وتشديد الحصار الاقتصادي واحتجاز سفن المشتقات النفطية، كما أن جريفيثس لم يحمل أي جديد جدي يمكن نقاشه".. وعلق د.إسماعيل الوزير على التغريدة بقوله: "تصرف منطقي وسياسي ويجب أن تعقبه مواقف أكبر".

وتبعه عبد الرحمن الأهنومي، رئيس تحرير صحيفة الثورة (النسخة الحوثية)، بتغريدة هاجم فيها جريفيثس قائلاً: "سلوك منحرف للمبعوث إزاء القضايا المصيرية للسلام والتدابير الإنسانية تمثل شكلا من أشكال الترهيب السياسي والإعلامي".

وعلى جانب الشرعية، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية سبأ، اتهم رئيس الحكومة اليمنية يوم 29 يونيو الماضي خلال لقائه السفير البريطاني باليمن، الأمم المتحدة بأنها "تتغاضى" عن تصرفات الحوثيين، وأن "جريفيثس غض الطرف عن نهب الحوثيين إيرادات محافظة الحديدة".. ثم تبعه في اليوم التالي وزير الإدارة المحلية عبدالرقيب فتح الذي غرد عبر تويتر: "إن هناك مشكلة رئيسية تتركز حول المبعوث الأممي، وأن جريفيثس يقدم في إحاطاته معلومات لمجلس الأمن الدولي، لا تعكس ما تقوم به الميليشيات الحوثية على الأرض".

الأسبوع الماضي وصل جريفيثس إلى العاصمة السعودية الرياض والتقى بالرئيس عبدربه منصور هادي وبرئيس الوزراء معين عبدالملك ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني وعدد من ممثلي الأحزاب اليمنية وتمحورت المحادثات حول الأزمة اليمنية.
جريفيثس التقى بعدها بوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير ولاحقا بوزير خارجية عمان يوسف بن علوي في مسقط وبحث معهما المستجدات.
ويتوقع أن يسعى جريفيثس لاحقا إلى لقاء عبدالملك الحوثي.

وفي نفس الوقت اجتمع كل من السفير الأمريكي كريستوفر هنزل والسفير البريطاني مايكل آرون مع مسؤولين يمنيين في الرياض لبحث إنجاح الحل السياسي ووقف إطلاق النار.
وفي وسط كل هذه المعمعة أصبحت دعوة الأمم المتحدة الأخيرة لوقف إطلاق النار الشامل في أبريل الماضي قد ولت أدراج الريح، فجميع هذه الاجتماعات لم تتمكن من إقناع الأطراف اليمنية بوقف الحرب.

برز الحوثيون خلال نفس الفترة كالطرف الوحيد الذي يمتلك رؤية واضحة فقد اشترطوا أمرين: الأول هو وقف "القصف والحصار"، والثاني الرفض القاطع للمرجعيات التي تطالب الشرعية اليمنية بأن تستند عليها أي مفاوضات مقبلة وهي "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي خصوصا القرار رقم 2216.

بالمقابل فإن الحكومة اليمنية في الرياض تعلن على الدوام استعدادها للتفاوض إذا ما تم الالتزام بتلك المرجعيات، وهو أمر أصبح مستحيلاً مع المتغيرات على الأرض خلال الخمس السنوات الأخيرة.
أصبحت جميع الأطراف تتهم جريفيثس بأنه يتعمد تجاهل الطرف الآخر، وما التصريحات الصادرة عن المسؤولين في الشرعية وحركة أنصار الله إلا تأكيد على فقدان الثقة بالمبعوث الأممي الذي يؤكد على الدوام أنه محايد وخسر بالتالي الطرفين.​