> المكلوم/ محمد العولقي
سامي.. في الأفق المخضب بحرقة الوداع أرثي نورسك الذي مات في خلجانك.. أرثي ربيعك الذي غادر أخاديد وجدانك.. أرثيك كما لم أرث قلباً أعيته الصبابة والجوى.
سامي.. كان الوطن روحه، مرآة نرى فيها آخر طيف من وجناتنا الذابلة، لم يبحث في ثناياه عن ملك أضاعه غيره بحماقة، بقي ثابتاً يؤكسج رئة وطنه، تنازل عن عرش النعيم، اختار العيش في جحيم وطن بقاياه تتصدع، وكلما فتش الشعب اليمني عن فرحة في كومة أحزانه وجدها في أنفاس سامي نعاش.
تمطر سحابة اتحاد الكرة على بقاع قلوبنا أمطاراً حمضية لا خير فيها لزرع أو ضرع، وعندما يعتام الجفاف ويتعربد ويتبرج اتحاد الكرة تبرج نساء الجاهلية يأتي سامي بهدايا العيد قبل أوانه لينعش كرتنا، ويصلح ما يفسده مجلس شؤون القبائل، كيف يفعل ذلك؟

سامي.. أرثيك يا صديقاً مخلصاً توارى ذكره بين الأنام، هل يكفيك بيان نعي خالد يضع على رف بكائية أبي البقاء الرندي؟
تحت مسلة الأشجان هناك ثمة ألحان، لنستخرج منها لحناً أحييت به حفلة ساهرة في مرمى العملاق الراحل عادل إسماعيل يوم نحيت أبو بكر الماس جانباً، ووضعت ركلتك الحرة المباشرة حلزونية مؤطرة معطرة في مرمى شمسان.
مرة باح لي بمعاناته كصديق، ثم ترجاني قائلاً: لا تكتب لأن هناك من يتربص بي ويتصيد زلة من لساني ليوقعوا بيني وبين رئيس الاتحاد.
مثلك يا سامي يستحق مدينة تعلق على شغاف قلوبنا، مثلك يستحق أن نشيد له من دموعنا محاجراً ومن آهاتنا حناجراً.
خاض سامي رحلاته المكوكية مع المنتخبات الوطنية بروح البطل، كان دائماً محاصراً بعسس من المتربصين يتمنون له الفشل، كانوا يترصدونه يتلصصون على مفكرته، سكاكينهم الحادة وخناجرهم المسمومة تنتظر أول عثرة وأول سقوط، كان سامي يعلم تماماً أن الذين ينافقونه يتنفسون كذباً، كان يعرف أنهم في النهار معه وفي جلسات آخر الليل ضده، أبداً لم يقم وزناً لمؤامرات تحاك ضده، تعامل مع المتربصين بدم بارد، لم يكن يعنيه أنه قطع دابر العمولات عن المسترزقين من صفقات خواجات العيون الزرقاء، كان دائماً يضع وطنه أولوية قصوى على حساب راحته وأسرته ونعيم غربته، نجاحاته أشعلت نار الغيرة في قلوب الحاقدين، وكلما جعجعوا ورسموا سيناريو للإطاحة به ماتوا بغيظهم، لأن سامي نعاش يمر دائماً على شفرات سيوف التحدي ويأتي المنية من بابها، كان دائماً يقول: أحلامي مع المنتخبات الوطنية هي كفني، تعشعش الملمات على رأس اتحاد الكرة الذي يدعي الوطنية من فنادق (فايف ستار)، ويترك لسامي فرصة تبييض وجهه أمام الجماهير اليمنية، ليس لرجال الاتحاد في منفاهم سوى سامي نعاش يمكيج وجوههم الفسفورية القبيحة، يرمونه في نار الوطن المتشظي الذي يدفع شعبه ثمن اللعبة السياسية الدامية، فلا يهرب من واجبه أو يخشى على حياته، لقد اختار هذه المرة أن يلعب مع الموت في فضاء واحد، خاض سامي نعاش مباراته الأخيرة في ملعب وطنه، عاد ليطبب جراحاً غائرة، بالنسبة لرجل شجاع مثله كان وحل الوطن أحلى مليون مرة من عسل فنادق وفلل الغربة، جاء إلى عدن ليلملم فرائصنا المرتعدة، جاء وفي معطفه الكثير من وصايا وطن النهار، أرسلوه إلى منبع الوباء، لعب مع مناوئيه مباراة مكشوفة، كان كمن يحارب أشباحاً لا ظل لها، عندما خيروه العيش الرغيد بين دفاتر الغربة ومغرياتها أو الموت على صدر وطنه، لم يتردد في منح وطنه نبضه الأخير، احتلت كورونا صدره، انشأت مستعمرة في رئتيه، كان يدرك أن نجمه يأفل، وأن الوداع يطرق بابه، لم يشأ أن يموت دون أن يسخر للمرة الأخيرة من مناوئيه في اتحاد الكرة:
حتما سيتذكرون في خضم غربلة مصالحهم هذه الحقيقة:
ستمر الأيام، ستدور الدنيا وتسير، ولن ترى الكرة اليمنية بعدك فجراً جديداً، مدمنو الفشل سيعاودون الكرة، سيتاجرون بأحلامنا، ستعود أسطوانة الخواجات، وستزدهر تجارة العمولات، سيتمدد الفاشلون على صدر الكرة اليمنية بلا منقذ، سيبولون ويتغوطون على أحلامنا، وفي الليلة الظلماء سنفتقد بدر النعاش، ستعيش يا سامي في وجدان وعقول أجيال الوطن زمناً ودهراً، ستبقى أحلى ذكرى لكرة يمنية خرب التجار لياليها، فرضوا عليها الوصاية ثم باعوها بعد رحيلك في أسوأ مزاد.
ستبقى يا سامي خير الأسامي في خلجات النفس شامخاً، في حدقات العيون راهباً، في قلوبنا نابضاً، وفي عقولنا حاضراً، وفي بنات أفكارنا ساطعاً، وفي نياط قلوبنا حياً خالداً، رحل سامي نعاش في ليلة ليلاً، تاركاً جسد اتحاد الكرة عارياً (يا مولاي كما خلقتني)، فمن بعدك يا سامي سيستر عورة هذا الاتحاد الذي تستحي منه الشتيمة؟
سامي.. وكنت بين الأسامي سامياً.. لا تشبه أحد ولا أحد يشبهك.. كلمات الوداع لها طعم الحنظل.. فما أقسى أن ترسم جنازة بالكلمات.. والأشد إيلاماً أن تنعي صباحك بطيف يدمي العيون ويحرق القلوب.
سامي.. اشتد ساعده في الملاعب، ومن قوسه انطلقت سهام ملتهبة.. تغنت به الملاعب لاعباً.. وتوجته ملكاً في مجال الحذق التدريبي، هو بين الأنام سامي، يضع نفسه في ورطة ناجحة، كلما أشرف المنتخب على الموت، منحه سامي قبلة الحياة من روحه ومن شجاعته ومن فروسيته، هو أبداً ليس كالملك الضليل، لم يكن ناعياً أو نداباً، يكفي أنه رحل بقلب مثقوب من الألم، ألم عاصف تفنن ذوو القربى في تعميقه، مات الرجل السامي بجيب فارغ، مات واتحاد الكرة قرصن مستحقاته وحقوقه وصرفها على الكابريهات في القاهرة وليالي الأنس في فيينا والدوحة وإسطنبول.
سامي.. كان رمقنا الأخيرة مناً وسلواناً، عاش أو نعاش، الأمر في كلتا الحالتين سيان، السياسيون يخربون الوطن، وسامي يتحدى المحن، هناك بين خفافيش الغربة من يهدي شعبه التعاسة، وسامي وحده من يوزع علينا السعادة، ما مر عام إلا وغيمة سامي تسقينا فرحاً وتطعمنا أملاً.
علم ذلك عند ربي، لكنني أشهد أن فيه نخوة لا مثيل لها، فيه رغبة جامحة مرعبة لازمته في السراء والضراء، هو ليس حاوياً، لا يستنجد بجراب يا صابت يا خابت، وليس بساحر يخرج الحلول من قبعته أشكالاً وألوانا، هو فقط سامي، طائره في عنقه، يثق في نفسه وفي سطوته وسمو مبادئه، يأتيك بوجبة المساء في وقت يشتد الجوع والعطش والحرمان على الكرة اليمنية.

كتب الرندي وداعية الأندلس بدمعه الهتون ملكا لم يحافظ عليه (ابن الأحمر) كالرجال، فهل يكفيك يا سامي أن أكتب مرثيتك للتاريخ بدم تجلط من رهبة اللحظة ومن عنفوان الحدث؟
الذين يبكونك اليوم هم جماهير الكرة اليمنية الذين هتفوا لك في الليالي الحالكات السواد، أما (زمرة) الواد سيد الشغال فيودعونك بحفنة من دموع التماسيح، لقد تنفسوا برحيلك الصعداء، ستتاح لهم فرصة التمثيل بوطن الثلاثة آلاف حضارة، سيقيمون حفلاً ماجناً لأحقادهم المذمومة، وسيجعلون من منتخب النعاش مسرحية ضحكت من جهلها كل الأمم.
الآن أفتش في ذاكرتي الفوتوغرافية عن ألحان أخرى، مرة صرخت في خضم نهائي كأس اليمن أمام أهلي صنعاء: اعطني الناي، ثم غن كما يحلو لك، أبرقت كرة في لفافة حلوى، كرة منغمة حولها أبوبكر الماس إلى أغنية خالدة في مرمى السر بدوي.
سامي اللاعب ورث بعد ذلك مسيرة تدريبية مدهشة بحق، كان مثل حبة البركة، ما أن يستنجد به فريق حتى يضعه بين مصفوفات الأبطال، أعطى التلال مجداً بعد أن جر السجاد من تحت أقدام أندية صنعاء، عاد زمان وصل التلال مع سامي، وفي الحديدة رسم سامي هلال العيد ونفخ فيه من روحه حتى شب عن الطوق وصار الهلال بدراً يضاجع القبة الزرقاء، منح الاتحاد هوية جديدة، هوية لاتينية أربكت حسابات العنيد، كان الاتحاد في السفح لا يقوى على التنفس، جاء سامي بروشتة سحرية معطرة بتجليات السطح، وفي أقل من عام نقله نقلة شطرنجية من حال إلى حال، استنجد به أهلي تعز، فتأبط الجمل بما حمل، قدم الواجب وكانت مكافأته شكراً.
وفي كل مرة كان سامي يحقق نجاحاً هنا وهناك يكسب الكثير من أعداء النجاح، رفعوه ليكون ناخباً وطنياً ليس تقديراً لكفاءته، لكن رغبة في تعريته وسلب بطولاته وانتزاع كرامته، وكلما خيب ظن مناوئيه زادت مساحة الرغبة في النيل منه، وضعوه في أسوأ ظروف معتقدين أنه سيرفع الراية البيضاء، ويرفض تلبية نداء الوطن، زرعوا في طريقه المسامير، فخخوا تحت قدميه الملاعب، نقلوه إلى معسكرات لا تصلح لبني آدم، وفي كل مرة كان الوطن هاجسه الأول، وكلما باغتوه بأفعالهم القبيحة تمخض جبلهم عن فأر زنيم، وبقي سامي أستاذاً بين الأسامي الوطن همه الأول والأخير.
طوال تراكمية تصل إلى عشر سنوات لم يتقاض سامي من اتحاد الكرة فلساً واحداً، كانوا يقولون له: أنت ابن البلد عليك أن تضحي بزينة الحياة الدنيا، يحدث هذا العقوق والإذلال في زمن قرصنة المشاعر الوطنية، وفي زمن الاختلاسات التي دفعت أحدهم للهروب بأكثر من ثلاثين ألف دولار عداً ونقداً، ثم تحول إلى بطل قومي بقدرة (غادر).
احترمت مشاعره وأكبرت فيه هذا العمل الوطني المجاني، لكنني طالبته بأن يدافع عن حقوقه خصوصاً وأن خزانة الاتحاد عامرة على الأقل بفلوس (الفيفا) السنوية، لم أشأ وقتها إخباره أن حجم المؤامرات ضده تتم بضوء أخضر من الرجل الكبير الذي علمهم السحر، علقت بكلمتين اثنتين: ربنا يعينك.
خاض سامي رحلاته المكوكية مع المنتخبات الوطنية بروح البطل، كان دائماً محاصراً بعسس من المتربصين يتمنون له الفشل، كانوا يترصدونه يتلصصون على مفكرته، سكاكينهم الحادة وخناجرهم المسمومة تنتظر أول عثرة وأول سقوط، كان سامي يعلم تماماً أن الذين ينافقونه يتنفسون كذباً، كان يعرف أنهم في النهار معه وفي جلسات آخر الليل ضده، أبداً لم يقم وزناً لمؤامرات تحاك ضده، تعامل مع المتربصين بدم بارد، لم يكن يعنيه أنه قطع دابر العمولات عن المسترزقين من صفقات خواجات العيون الزرقاء، كان دائماً يضع وطنه أولوية قصوى على حساب راحته وأسرته ونعيم غربته، نجاحاته أشعلت نار الغيرة في قلوب الحاقدين، وكلما جعجعوا ورسموا سيناريو للإطاحة به ماتوا بغيظهم، لأن سامي نعاش يمر دائماً على شفرات سيوف التحدي ويأتي المنية من بابها، كان دائماً يقول: أحلامي مع المنتخبات الوطنية هي كفني، تعشعش الملمات على رأس اتحاد الكرة الذي يدعي الوطنية من فنادق (فايف ستار)، ويترك لسامي فرصة تبييض وجهه أمام الجماهير اليمنية، ليس لرجال الاتحاد في منفاهم سوى سامي نعاش يمكيج وجوههم الفسفورية القبيحة، يرمونه في نار الوطن المتشظي الذي يدفع شعبه ثمن اللعبة السياسية الدامية، فلا يهرب من واجبه أو يخشى على حياته، لقد اختار هذه المرة أن يلعب مع الموت في فضاء واحد، خاض سامي نعاش مباراته الأخيرة في ملعب وطنه، عاد ليطبب جراحاً غائرة، بالنسبة لرجل شجاع مثله كان وحل الوطن أحلى مليون مرة من عسل فنادق وفلل الغربة، جاء إلى عدن ليلملم فرائصنا المرتعدة، جاء وفي معطفه الكثير من وصايا وطن النهار، أرسلوه إلى منبع الوباء، لعب مع مناوئيه مباراة مكشوفة، كان كمن يحارب أشباحاً لا ظل لها، عندما خيروه العيش الرغيد بين دفاتر الغربة ومغرياتها أو الموت على صدر وطنه، لم يتردد في منح وطنه نبضه الأخير، احتلت كورونا صدره، انشأت مستعمرة في رئتيه، كان يدرك أن نجمه يأفل، وأن الوداع يطرق بابه، لم يشأ أن يموت دون أن يسخر للمرة الأخيرة من مناوئيه في اتحاد الكرة:
سأرحل، وسأترك لكم مستحقاتي تسيحون وتلهون بها في مغريات هذه الدنيا الفانية.
في كل مرة يأتون بخواجة لتدريب المنتخب، تجارتهم رائجة مع عمولات (زائد ناقص)، وعندما يترنحون وتهتز كروشهم قبل كراسيهم يسارعون إلى ضفة سامي نعاش: تعال أيها الأدميرال العدني انقذ سفينة المنتخب من طوفان الخواجات، يلبي النداء ويباعد بين المقصلة ورأس الاتحاد، لكن سامي نعاش يكافئ بجزاء سنمار، لا حقوق لا راتب لا مزايا، فقط مجرد (استيبني) ببلاش جاهز لكل حالات الطوارئ، الذي هزم اليابان وأربك حسابات كمبيوترها لم يكرم، والذي هز عرش الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بقي محنطاً في (المشمش)، والذي نسف البحث العلمي في أكاديمية إسباير لم يظفر بشيء من الغنيمة، والذي رفع أسهم الكرة اليمنية وأصبح عقدة للخواجات خرج من المولد بلا حمص، تلك قسمة ضيزى اتحاد الكرة مع سامي نعاش، حياة حافلة بالكر والفر والإقبال والإدبار، حياة فيها الكثير من الخداع والقهر والمكر عاش سامي تفاصيلها بوجع وألم وصمت القبور، سامي وهب وطنه كل شيء ورحل بقلب مثقوب من الألم، فماذا قدم المرجفون للكرة اليمنية سوى المزيد من المرمطة والضحك على الذقون؟
ستبقى يا سامي خير الأسامي في خلجات النفس شامخاً، في حدقات العيون راهباً، في قلوبنا نابضاً، وفي عقولنا حاضراً، وفي بنات أفكارنا ساطعاً، وفي نياط قلوبنا حياً خالداً، رحل سامي نعاش في ليلة ليلاً، تاركاً جسد اتحاد الكرة عارياً (يا مولاي كما خلقتني)، فمن بعدك يا سامي سيستر عورة هذا الاتحاد الذي تستحي منه الشتيمة؟