العالم ليس مكاناً عادلاً. لم يكن كذلك في أي يوم، ولن يصبح لاحقاً. المعادلة المستمرة منذ الأزل المرتبطة بالجين الأناني هي أن ما يفترض أن يكون عادلاً للأكثرية تتلاعب به قلة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة وبأي ثمن غالباً. معظم ما تروجه تلك القلة من أفكار يعزز في الأساس سيطرتها وديموته، أي أن ليس من أولوياتها إرساء العدالة. لذلك ليس هناك من حل لهذه المعضلة المستمرة سوى المقاطعة لانتزاع العدالة. المقاطعة المسنودة بالوعي هي واحدة من أكثر أشكال رفض الواقع ثباتاً، وهي الأكثر ضماناً في تحقيق هدفها بأقل حد في تدمير المجتمع وإلحاق خسائر بالأرواح. هناك أشكال كثيرة ومتنوعة للمقاطعة، وهناك خصوصية لها تختلف من مجتمع لآخر. هذا لا يعني أن المقاطعة أمر القيام به سهل دائماً، لكنه أمر ممكن مع توفر الإرادة الكافية.
وإذا لم تحقق الانتخابات العدل فمقاطعتها أمر قد يكون فعالاً أيضاً، خاصة إن ترافقت مع مقاطعة الإعلام المنحاز لطرف، وليس للمجتمع. هذا ينطبق أيضاً على المقاطعة ضد الحكومات والأنظمة والدول، لكن لا بد من ابتداع أشكال خلاقة ومتصاعدة التأثير للمقاطعة، وتناسب واقع العصر، من أجل تحقيق العدالة، مع ضرورة الابتعاد عن أعمال العنف والفوضى.
العالم يزداد جشعاً وتضليلاً فهذه حقيقة، والأخطر من ذلك أن قلة فيه تدفع الأغلبية نحو أخطار متزايدة. دفع المجتمعات للحروب، ازدياد تلوث البحار والمحيطات، والأراضي الزراعية بفعل الإسراف باستخدام المواد الكيماوية من أجل تحقيق أرباح أكبر، ممارسة التضليل من خلال العلم، وازدياد التلاعب بالغذاء، ودفع الناس لتناول الكثير من الأدوية غير الضرورية. في العام الماضي 2020 حققت قلة تعد بعدد أصابع اليدين أرباحاً قدرت بمئات المليارات، هذا في وقت تضاعف فيه عدد العاطلين عن العمل وتضاعفت فيه أعداد الأطفال الفقراء، وأقدم عشرات الآلاف على الانتحار لافتقادهم للعدالة. مقاطعة منتجات الشركات التي تدر أرباحاً كبيرة في ضل ازدياد فقر المجتمع، لا يعد خياراً ضرورياً فقط، لكن أخلاقي أيضاً. حققت شركات ترتبط بالخدمات والأغذية والأدوية والأسلحة أرباحاً كبيرة في عام الوباء، هل يمكن مقاطعتها؟ نعم يمكن، لكن مقاطعة الحكومات التي لا تفرض ضرائب أكبر على تلك الشركات أمر أكثر نفعاً.
المقاطعة سلاح فعال وحقيقي، لكن في ضل غياب الوعي يصبح لا قيمة له.