هناك عدد قليل من الدول العربية تختبر وتعيش في أزمات متعددة ومشاكل متنوعة سياسية واقتصادية وحروب تزداد وتتوسع حدة بدون بصيص أمل لنهايتها. هذا هو حال هذه الدول الفاشلة برغم وجود الحد الأدنى المفعل لكيانات وهياكل الدولة من مؤسسات وأجهزة سيادية مختلفة (البرلمان، الحكومة، القضاء، الأمن.. إلخ).
دعونا نأخذ لبنان (سويسرا الشرق) كمثال واقعي وحقيقي لهذه التطورات الدراماتيكية التي كانت بمقتل لكل ما كان "يعرف ويمثل" لبنان بقدر من المثالية الاقتصادية والمالية دولة وشعباً.
إن حجم أصول قطاعها المصرفي كان الثاني عربياً (نحو 260 مليار دولار أمريكي) بعد المصري (باستثناء قطاع المصارف الخليجية) الذي اعتمد بصفة رئيسية على تحويلات المغتربين اللبنانيين في إبقائه عائداً وإعطاء مؤشرات مواقفه المالية تصنيف - Rating "المقبول والآمن".
ويمتلك لبنان ثاني أكبر حيازة لاحتياطي الذهب عربياً بعد السعودية، لكن بسبب الفساد السياسي في حكم الدولة بصفة عامة والفساد المتجذر في إدارة شؤونه الاقتصادية والمالية خاصة أوصلت حجم الدين العام اللبناني إلى نحو 160 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه تداعى لبنان وسقط في هاوية عميقة سحيقة اقتصادياً لن يستطيع الخروج منها.
أما قطاعها المصرفي فقد انكمش لدرجة أن البنوك والمصارف امتنعت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مودعيها وعملائها داخلياً وخارجياً، أما التداعيات على الليرة اللبنانية وسعر صرفها فقد كانت الأسوأ على الإطلاق من بين كل هذه العوامل، إذ فقدت العملة اللبنانية نحو 90 % من قيمتها السوقية مقابل الدولار الأمريكي، وبسبب إفلاس الدولة وانهيار مقدرتها المالية (لكثرة ديونها) فقد تم إلغاء كافة سياسات "الدعم" على الأساسيات، والتي اعتمد عليها المواطن اللبناني لعقود.
ويقدر حالياً أن دخل المواطن اللبناني العادي بالكاد يفي بـ "20 % من احتياجاته الحياتية المعيشية".
نكاد نجزم بأن اليمن هي الدولة العربية الأقرب واقعاً إلى الحالة اللبنانية الراهنة بكل محتوياتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، فلا واقع سياسي ثابت ومستقر، ولا حكومة ذات كفاءة وحس وطني، ولا ضوابط لوقف نزيف موارد الدولة، ولا نهاية لمسلسل الفساد التاريخي، ولا تقارب بين الفرقاء السياسيين، ولا نهاية لحرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس.
أما الواقع في اليمن بإيجاز هو استمرار تدهور كل نواحي وقطاعات ومجالات وأنشطة العمل والإنتاج والمال والخدمات بكافة مكوناتها، والأهم فقدان سعر صرف الريال اليمني لنحو 80 % من قيمته مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى تردي الحالة العامة لدرجة تآكل ونخر أرضية وأساسات سبل عيش وحياة المواطن الذي أصبح يصنف في خانة "الأفقر" على مستوى العالم.
اللهم المستعان. اللهم لا شماتة.