بعد 7 يوليو 1994م تعاطى الشمال بعنجهية خسيسة مع جنوبنا، وهو مسلك يجسد منطق دولة القبيلة الهمجية الباغية، إذ لم يختلف مسلكهم عند استباحة جنوبنا ونهبه، لم يختلف عن قبائل البربر الضارية وهي تفتك بأقرانهم المهزومين في سفوح أوروبا كما صورته لنا الميديا، وبنفس العيون الجاحظة والشعور المنكوشة مع همهمات كواسر الحيوانات طفقوا ينهبون كل مرافقنا بوحشية، حتى وكلاء الوزارات الذين ظلوا وديعين كالحملان في عدن، بدأوا منهاج التدمير لكل ما تحت أيديهم في جنوبنا بكل صلف وغطرسة.

يطفح الفم بالمرارة كلما تستعيد الذاكرة تلك الأيام ووحشيتها، بل يفترش مساحات الأفق سؤالا يصرخ بالألم مفاده ما دهاكم حتى تورطتم بالارتباط مع مثل هؤلاء الوحوش؟، وبالفعل كم كان يذبح في النفس منظر ضباطنا وجنودنا وهم يصطفون طوابير في صنعاء لتسول رواتبهم الموقوفة، أو منظر جحافل موظفينا عند إحالتهم للتقاعد القسري بمبلغ زهيد بعد بيع مرافقهم، أو منظرهم وهم كالمتسولين يتابعون إجراءات التقاعد المجحفة والمهينة.

لا أعتقد أن ذاكرتنا الجنوبية يمكن أن تسقط كل ذلك، وبالقطع يلقّنها جيلنا لأولاده، ولهذا نجد كم المقت لهذه الوحدة يتفاقم بتقادم السنين والأجيال، حتى وإن كانت الأهوال والفظائع قد تفاقمت اليوم، ويمكن أن التفكيك والعبث بجيلنا الجديد قد أخذ مداه وحجمه المؤثر بفعل استهدافهم الممنهج لهذا الجيل وكل الجنوب.

لا أروم من وراء ذلك إلى نبش الجراح ونكأ المواجع، فهي بالبداهة مغروسة في الأذهان لفظاعتها وبشاعتها، ونحن من تجرع هذه الآلام والخُبث ممن افترضناهم إخوة، بل كبارهم ما انفكوا يمارسون لصوصيتهم الوقحة لثرواتنا السيادية، ويصرون على إبقائنا تحت أقدامهم.

الله سبحانه وتعالى ليس بغافل عن الظلم والظالمين، وهو الذي قال: (سأنصرك ولو بعد حين)، كما بقدرته قيّض للظالمين من يسحقهم وينكّل بهم، وهاهم أهل السطوة في سلطة الظلم قد نالوا من التنكيل ما يشفي الغليل ولو قليلاً، فمنهم من قُتل في أبشع صورة، ومن دُمّرت قصوره وشُرّد في الأصقاع، ومن بقي تحت الأقدام ذليلاً مُهاناً كالإمعة، ومن هرب فاراً من القتال بدثار امرأة وفي صورة كاريكاتورية مخزية للهروب.. إلخ.

مع كل ذلك ما زال من هؤلاء الطغاة ورغم كسرهم وإهانتهم يستقوون بفعل ارتباطاتهم الحقيرة بخدمة أجندات الخارج هنا، ولذلك ما انفكوا يمارسون النهب بحقنا، ولم يتّعظوا من كل ما أصابهم من ذل وهوان، ولكن جنوبنا اليوم غير الجنوب الذي امتهنوه صيف 94م وما بعده، فللجنوب أظافره وأنيابه ورجاله الكواسر، كما قد دارت الدّائرة ايضاً أليس كذلك؟