نستطيع أن نقول الآن، وفي منعطف حاسم من تاريخ اليمن السياسي المعاصر، إن “الشرعية” تمكنت من الإفلات من معضلة العجز التي رافقتها لسبع سنوات والتخلص من حالة الاستلاب الذي مارسته دائرة ضيقة أغرقت المعسكر المناوئ للحوثيين في دوامة صراع داخلي مع الأطراف الأصيلة التي تقاوم المشروع الإيراني على الأرض.
وكما توقعنا تمامًا كانت مشاورات الرياض، التي دعا إليها ورعاها مجلس التعاون الخليجي صاحب التجارب الناجحة في اليمن، بداية مرحلة جديدة في مسار الأزمة اليمنية، خرجت "الشرعية" اليمنية منها أكثر تماسكًا وتجانسًا وواقعية وأكثر تمثيلًا للقوى الفاعلة على الأرض التي حققت انتصارات حاسمة في مواجهة الحوثيين.
وبالنظر إلى قائمة أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي حظي بمباركة شعبية يمنية وبدعم إقليمي ودولي منقطع النظير، نجد أن الطابع العسكري يغلب على قوام المجلس الذي دشن عمله بدعوة الحوثيين للجلوس إلى طاولة الحوار، ولكنه حوار هذه المرة من موقع القوة والاقتدار وليس الضعف والتسويف والرهان على القرارات الدولية.
وعند التعمق في سير رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني نجد أن كل فرد منهم لديه تاريخ حافل في مواجهة الحوثيين، وهي إشارة قوية بأن ما بعد فشل خيارات السلام ليس سوى حرب مختلفة تماما عن تلك التي شاهدناها خلال السبع سنوات الماضية، فرئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي كان وزيرًا للداخلية ومشرفًا على الملف الأمني خلال أكثر فترات المواجهة الأمنية سخونة مع عناصر وقيادات الجماعة الذين عرفوا أقبية السجون في عهده، كما يضم المجلس قائد ألوية العمالقة الجنوبية أبو زرعة المحرمي صاحب الرصيد الكبير من الانتصارات في مواجهة الحوثيين في الجنوب والساحل الغربي ومحافظة شبوة مقابل صفر من الهزائم.
أما طارق صالح فهو صاحب ثأرين مع الحوثي الأول بعد مقتل عمه علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017 والآخر من خلال اعتقال الحوثيين لأشقائه وابنه، كما أنه صاحب باع في مواجهة الحوثيين في الساحل الغربي لليمن.
ويضم المجلس كذلك الشيخ القبلي سلطان العرادة محافظ مأرب التي تتعرض لهجمات حوثية متواصلة منذ العام 2015 وحتى اليوم، ويعزى إليه جانب مهم في مسيرة الحيلولة دون سقوطها بالنظر إلى ثقله وارتباطاته القبلية في مأرب.
كما يضم المجلس عضوين آخرين لم يخوضا مواجهة عسكرية مباشرة مع الحوثيين ولكنهما يمثلان قوى ومكونات لديها تاريخ من العداء مع الحوثيين، وهما فرح البحسني محافظ حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية، وعبدالله العليمي مدير مكتب الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي.
وعن سمات هذه المرحلة يمكن القول إنها طرق باب السلام حتى النهاية وحتى يقتنع المجتمع الدولي بعدم جدوى الرهان على سلمية الحوثي، في حين أن الخيار الآخر هو خوض مواجهة عسكرية بأدوات جديدة وعقيدة عسكرية مختلفة قد تجبر الحوثيين خلال فترة قياسية على القبول بخيارات صعبة لم يكن يفكر حتى في الاقتراب منها.
"العرب اللندنية"