لم تنتج حضرموت في تاريخها دكتاتورية بأي شكل من أشكال المفهوم الدكتاتوري القديم والحديث، لم يصنع لديها صنم يرطن، أو له خوار كما فعل السامري في قصة سيدنا موسى، بل هي صانعة في حد ذاتها لأنماط تخصها وتدور حول فقرها ونزاعاتها قبل قرنين من الزمان، وتنتج الهرولة في اللحاق بالأفكار المعاصرة في الزمن الحديث منذ نصف قرن ونيف، هي، لا تصنع ولكنها تصطنع أداة الحكم ثم تتركه لغيرها طوال الفترة الأخيرة.
حاليًا، وحتى دخول القاعدة إلى المكلا لم يظهر الحاكم المتفرد، بل، أخضعت هي هذا التنظيم المقلق لأكثر من نصف العالم للتهجن الحضرمي وأطاع المدينة، وفي عهدها جرت المظاهرات والشجب والرفض؛ بل والعصيان، وخضعت أيضًا لما أراد السكان خلافًا لحكم القاعدة في قندهار وبعض أقاليم باكستان المجاورة لكابول.
صراع الإدارة الحضرمية التي خسرت كثيرًا خلال الفترة المتوترة وهي ما عشته من حيث التغيب أو الانهزام الداخلي والتراجع المخيف للحياة الخدمية في حضرموت كلها وساقت ما هو أسوأ مما أظهرته مساوئ الحملة الثقافية في أقاليم الصين الشعبية، أو ما سمي عندنا بمرحلة الانتفاضات المندفعة وما بها من تطرف عصي وموجع وانتهى إلى ذهاب وهم الدكتاتورية الثورية ولم يتبقى على أرض الواقع غير ذكرى من شهد الحطام وليس الحطام نفسه.
من أراد عدن والجنوب وما يتاخمه من جوار عليه أن يمسك خطام حضرموت وأن يفند ويفكك الطلاسم محليًا وما في الجوار قد يبدو أن حالة الدكتاتورية الاستعمارية التي دامت أكثر من قرن وما منينا بها من فواجع وانتكاسات لأكثر من ربع قرن الأخيرة لم تظهر فكر الدكتاتورية المعربدة والسياسية والجغرافية للمنطقة، بقدر ما عاثت تغييب وتحطيم لقيم الحكم المدني الحضرمي ورائدة السلطان المعظم صالح بن غالب القعيطي، وما سارت عليه فيما، بعده طلائع حضرموت في خضم الحركة الوطنية العدنية والحضرمية وصولا للاستقلال الذي غير ملامح كثيرة عززت سقوط فكر وتطلع الدكتاتورية واجتثاثها من حيث التغول القبلي والتقليدي والاستبدادي في كل البلد من حضرموت إلى حدود الجوار.