> محمود صالح أبوحربة
تُعرف المعاوز في اليمن بأنها من الأزياء الشعبية، فهي تنبثق من التاريخ المتجذر وتعبر عن الأصالة والهوية للرجل الذي يرتديها، كما أنها جزء من التكوين الاقتصادي والاجتماعي للشعوب وتُحاك بأياد حرفية تصنع من الخيوط ابداعًا بالطرق التقليدية وتنسجه بإتقان حيوية ومهارة متوارثة، وهذا ما جعل من المعاوز الزي الأكثر حضوراً وانتشاراً وصموداً على مر السنوات يتميز به اليمنيون منذُ أغابر الأزمان.
وتنتشر صناعة المعاوز بشكل واسع على مستوى اليمن وتشكل جزءً من التكوين الاجتماعي والاقتصادي للبلد حيث تعتبر مشروعاً اقتصادياً يسهم في توفير العديد من فرص العمل لأبناء الوطن وتحقيق دخول للأفراد بما يؤمن الحياة الكريمة وكإحدى السبل في مواجهة البطالة كما تعد إحدى مصادر الدخل القومي وسبيلاً لتنويعه.
وتشتهر محافظة شبوة بصناعة المعاوز وتتركز هذه الصناعة في منطقة الروضة الواقعة في الجنوب الشرقي لليمن وهي حرفة ضاربة في القدم إلا أنها أوشكت على الاندثار في العصر الحديث بفعل سياسة الاستيراد المنافسة للإنتاج المحلي إلا أن أبناء منطقة الروضة انبروا لإحياء هذه الحرفة وتنميتها من خلال تأسيس جمعية الصناعات النسيجية التي تأسست في مارس عام 1973م.
ومن ثم تم بناء مقر الجمعية بمبادرات طوعية من الاعضاء في عام 1975م حيث بنيت إدارة للجمعية ومستودعاتها ووحدة للإنتاج، وتم استيعاب عدد من الشباب لتعلم الحرفة، وفي عام 1977م تم إضافة مبانٍ جديدة لاستيعاب الآت النسيج الجديدة والمتطورة..

هذا وقد سعت الجمعية في هذا الإطار إلى الاستعانة/ عوض عبدالله النجار - رحمه الله - الذي كان مهاجراً في اندونيسيا وآلاته التي جلبها معه من إندونيسيا لتدريب الشباب على انتاج الفوط المشهورة بالفوط الجاوية والعمل بها واتقان كافة مراحل العملية الانتاجية على آلات الرول والتعصيب والتقصيب والنسيج، وسخر معارفه التقنية وآلات الإنتاج الخاصة به للمصلحة العامة، وعكف على تدريب الشباب من الجنسين على آلات النسيج المختلفة التي كانت تشكل معمله الخاص بإندونيسيا وبذلك أحدث ثورة اجتماعية هائلة بإعطاء المرأة حق العمل الانتاجي أسوة بالرجل مبتدئا بتدريب بناته وبنات اقربائه ثم اندفعت الأخريات إلى مجال الإنتاج داخل مباني الجمعية.
وقد مثلت التقنية الجديدة لإنتاج الفوط والمعاوز الشعبية قفزة هائلة في مجال الإنتاج لهذه الحرفة مما دفع بنقل العمل الإنتاجي إلى المنازل لعدم استيعاب مباني الجمعية للعدد الكبير من المتقدمين للعمل في هذه الحرفة من الجنسين والتي ازدهرت فيما بعد لتنتشر معامل النسيج الشعبي في كافة المحافظات حيث اشتغل في هذه الحرفة العديد من تجار الجملة والتجزئة سواء في المواد الخام لهذه الحرفة أو في تجارة منتجات هذه الحرفة من المعاوز بأنواعها المختلفة.
يوماً عن يوم تزداد صناعة المعاوز شهرة وانتشارا في محافظة شبوة فلقد ازدهرت في العقدين الأخيرين حيث حققت نموا اقتصاديا مضطردا خلال هذه الفترة ونتيجة لتركز هذه الصناعة في مديرية الروضة من محافظة شبوة والتي كان أساسها وسبب ازدهارها هو الدور الريادي الذي لعبته في هذا المجال جمعية الصناعات النسيجية في مديرية الروضة فينبغي الالتفات من قبل السلطات العليا والمسؤولين في الدولة والمحافظة إلى أهمية ما تقوم به مثل هذه الجمعيات بجميع أنواعها من دور اقتصادي في رعاية واحتضان العديد من الحرف الشعبية والصناعات الصغيرة وتنميتها وتطويرها لتلبية العديد من الاحتياجات التنموية.
وتتصدر محافظات شبوة وحضرموت ولحج وعدن والحديدة والبيضاء، إنتاج المعاوز، وعلى الرغم من أن المعاوز حرفة تراثية منذ زمن الأجداد، فإن الشباب أكثر إقبالاً على العمل فيها شراء منتجاتها، مقارنة ببقية الفئات، حتى أصبحت المعاوز موضة العصر، إذ يتسابق الشباب لشراء أجمل وأجود المعاوز من حيث الألوان والنقشات المحببة التي تختلف حسب الأذواق، حيث تتراوح أسعارها ما بين 10 ألاف إلى 50 ألف ريـال للمعوز الواحد.
أن اهتمام الدولة بدعم مثل هذه الجمعيات أو الحرف والصناعات الصغيرة هو أحد أوجه الاستثمار والذي يعود بفوائد اقتصادية تعوض وتفوق بشكل كبير جداً النفقات المالية الموجهة لدعمها وتنميتها.
ويمكن لجمعيات الحرف والصناعات التقليدية أن تساهم في تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية فوق الأهداف المخططة فنجاحها يدفع وبشكل تلقائي تطوير التكوين الاجتماعي لمحيطها الجغرافي والذي يدفع إلى مشاركتها في حل العديد من المشاكل الاقتصادية كمساعدة الأسر الفقيرة ودعم طلاب العلم في تكاليف الدراسة وكذلك المساعدة الصحية في علاج بعض المرضى المعوزين وغيره من أوجه المساعدة المالية للمحتاجين، ومن هذا المنطلق نرى بأن مثل هذه الجمعيات تكون قد حققت أهدافا اقتصادية إضافية فوق الأهداف المخططة، فتراها قد خففت عن كاهل الدولة بعض الالتزامات المالية الملقاة على عاتقها بدرجة رئيسية في مساعدة الفقراء والمرضى وطلاب العلم ضمن خططها التنموية وفي إطار البرامج العالمية للمنظمات العالمية والإنسانية الداعمة في هذا المجال.
مازالت محافظة شبوة هي الرائدة في صناعة المعاوز اليمنية بمركزها الصناعي في منطقة الروضة إحدى مديريات محافظة شبوة وأشهر المدن الصناعية في المحافظة والتي يقدر عدد سكانها 27371 نسمة بحسب اخر تعداد سكاني ومساحتها 256 كم مربع تقريبا.
أما الحجم الإنتاجي للقطاعات الاخرى المستقلة عن الجمعية فيبلغ مليون وخمسمائة معوز سنويا إلى الحد الأدنى بحسب تقديرات العديد من العاملين في هذا المجال، وعلية فإن إنتاج المحافظة من المعاوز سنويا يبلغ 2 مليون وهي نسبة مقبولة إذا علمنا بأن الإنتاج السنوي للمعاوز على مستوى اليمن يبلغ 6 مليون معوز سنويا.

ومع اكتساح العملاق الصيني للأسواق العالمية ببضائعه المنافسة في جميع المجالات ومنها صناعة المعاوز والتي ظهرت لتناقص الصناعة الوطنية إلا أن تلك المنافسة ليست أكبر من فقاعة انبثقت لتجذب أنظار البعض إليها بالوان الطيف المشعة على سطحها الخارجي جراء انعكاس أشعة الشمس عليها سرعان ما تختفي تلك الفقاعة مع أول هبة نسيم فقد فرضت صناعة المعاوز اليمنية قوتها التنافسية بجودها في مواجهة العملاق الصيني بسلعته الرديئة والتي لا ترتقي إلى مستوى جودة المعاوز اليمنية التي انتجت وفق أسس تواكب وتلبي احتياجات المواطن اليمني والعربي وتتناسب مع احتياجاته وبيئته ووفق معايير قيميه وفنية ترتبط بالتكوين الثقافي والاجتماعي للمجتمع والوعي النفسي باتجاهات وميول الأفراد فقد حِيكت بموهبة ونسجت بإبداع كما نقشت بأيدي ماهرة وإتقان يمني لن يبلغ التنين الاصفر بتقنياته أبدا مداه.