> عيسى نهاري
أخيراً، بات بوسع مايكل راتني السفير الأميركي الجديد لدى السعودية حزم حقائبه للتوجه إلى الرياض ومباشرة مهامه، على أثر مصادقة الكونغرس، أمس الأربعاء، على ترشيحه بعد تأخر دام قرابة العام. وتأتي الانفراجة الأخيرة وسط تحولات بارزة تشهدها المنطقة بعد الاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة صينية لفتت الأنظار في واشنطن، وجددت أحاديث تضاؤل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
وينتظر من راتني إعادة القوة إلى العلاقات السعودية – الأميركية، وتعزيز التواصل بين قيادتي البلدين بعد أكثر من سنتين خيمت فيهما التوترات على شراكة الثمانية عقود، بدءاً من تجميد مبيعات السلاح للرياض، وإيقاف الدعم العسكري لتحالف دعم الشرعية في اليمن، ووصولاً إلى الخلاف مع إدارة بايدن حول خفض حصص إنتاج النفط.
ويحمل السفير الجديد في جعبته أكثر من 30 سنة من الخبرة في أروقة وزارة الخارجية، حيث ساعد على صياغة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وعمل في أكثر من دولة منها قطر والعراق ولبنان والمغرب، قبل أن يشغل منصب القائم بالأعمال في سفارة بلاده لدى إسرائيل، حيث عمل قنصلاً عاماً لمدة ثلاث سنوات حتى صيف عام 2015، عندما اختاره الرئيس باراك أوباما مبعوثاً خاصاً إلى سوريا.
وقاد راتني ابن مدينة بوسطن أثناء عمله "قنصلاً في القدس بعثة مكونة من 600 أميركي وإسرائيلي وفلسطيني، تولت مسؤولية بناء العلاقات السياسية والثقافية مع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وغزة".
وشغل الدبلوماسي المخضرم الذي يتقن العربية والفرنسية منصب عميد كلية دراسات اللغة في معهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية، كما يحمل درجة البكالوريوس من جامعة بوسطن، والماجستير من جامعة جورج واشنطن، وحصل على عديد من جوائز الأداء الصادرة عن وزارة الخارجية، بما في ذلك جائزة الخدمة الرئاسية الاستحقاقية.
وقبل تعيينه سفيراً لدى السعودية، تنقل راتني في مناصب قيادية متنوعة في الخارجية الأميركية، إذ عمل نائباً لمساعد الوزير لشؤون بلاد الشام والشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، وحتى عام 2012، شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية للإعلام الدولي، حيث أشرف على المكاتب الإعلامية الناطقة بلغات مختلفة.
وبعد ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس الأميركي إلى جدة التي أكد خلالها شراكة بلاده مع السعودية، عاد التوتر إلى علاقة البلدين في أعقاب قرارات "أوبك+" بخفض إنتاج النفط التي فاقمت الخلاف بين الرياض وإدارة بايدن الساعية إلى خفض أسعار الطاقة لإرضاء المستهلك الأميركي، وزيادة الضغط على روسيا من خلال تقليل عوائدها النفطية.
وتوعد بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الرياض بـ"عواقب" على خلفية إعلان "أوبك+" خفض الإنتاج ولم تكتف إدارته بالتعهد بمواجهة "سيطرة" المنظمة على سوق الطاقة بل صعدت من لهجتها ضد السعودية. وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إن الرئيس يعتزم "إعادة تقييم" العلاقات معها، تزامناً مع دعوات أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى وقف مبيعات الأسلحة.
في المقابل، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وقتها أن "قرار أوبك+ اقتصادي بحت وتم اتخاذه بإجماع الدول الأعضاء". وأشار إلى أن دول المجموعة "تصرفت بمسؤولية واتخذت القرار المناسب"، مؤكداً أن العلاقة مع واشنطن "استراتيجية وداعمة لأمن المنطقة".
وعلى رغم تهديدات بايدن آنذاك، فإن واشنطن لم تتخذ أي إجراءات ملموسة ضد السعودية، واكتفت بعدم إرسال ممثلين حكوميين لها إلى قمة استثمارية في الرياض. وبعد أسبوعين من الوعيد الأميركي، والتهديد بخفض التعاون العسكري، نشرت وزارة الدفاع السعودية، صوراً تظهر تمريناً مشتركاً أطلقت عليه "تمرين التعايش" بين القوات البرية السعودية ونظيرتها الأميركية بمركز عسكري في محافظة الخرج.
إلى جانب السفير الجديد لدى السعودية، أمضى إريك غارسيتي مرشح بايدن لمنصب سفير الهند أكثر من عام ونصف العام بانتظار تأكيد الكونغرس، قبل اعتماد تعيينه، أمس الأربعاء. وكانت السعودية والهند من نحو 20 دولة لا يوجد فيها سفير أميركي، وهو فراغ حذر منه الخبراء، لما له من ضرر على العلاقات الثنائية، وتأثير سلبي على السياسة الخارجية.
بالطبع، لعب تحفظ بعض الأعضاء من الحزبين على ترشيحات بايدن في تأخير تعيين عدد من سفرائه، إلا أن الرئيس كان أيضاً بطيئاً في تسمية مرشحيه خلال عامه الأول وفق "فورين بوليسي". وبعد مرور عامين من ولايته، ما زالت بعض الدول بلا مرشحين يمكن لمجلس الشيوخ اعتماد تعيينهم.
ويسعى بعض المشرعين إلى تحسين عملية اعتماد السفراء وتسريعها لتجنب الإضرار بالمصالح الأميركية في الخارج، خصوصاً أن من ينوب عن السفراء الرسميين دبلوماسيون برتبة أدنى لا يملكون النفوذ والتأثير اللذين يتمتع به السفير بوصفه ممثلاً للرئيس الأميركي.
وظهر الفراغ الدبلوماسي الأميركي جلياً في الهند التي يسعى بايدن لأن تكون جزءاً من استراتيجيته لمقارعة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، إذ فشلت واشنطن لأكثر من عامين في تعيين سفير لها في نيودلهي، بعد أن واجه مرشح بايدن معارضة من الجمهوريين بسبب "فضائح" مرتبطة بفترة عمله عمدة لمدينة لوس أنجليس.
وقالت نيشا بيسوال، نائبة رئيس غرفة التجارة الأميركية ومساعد وزير الخارجية السابقة لشؤون جنوب ووسط آسيا، إن هذا التأخير "لربما أعاق التعاون بين البلدين". أضافت مشيرة إلى التعاون في مجال مكافحة التغير المناخي "أعتقد أننا لم نتمكن من تعزيز بعض هذه المبادرات بالقدر نفسه من الفعالية والسرعة فيما لو كان لدينا سفير في الميدان".
وينتظر من راتني إعادة القوة إلى العلاقات السعودية – الأميركية، وتعزيز التواصل بين قيادتي البلدين بعد أكثر من سنتين خيمت فيهما التوترات على شراكة الثمانية عقود، بدءاً من تجميد مبيعات السلاح للرياض، وإيقاف الدعم العسكري لتحالف دعم الشرعية في اليمن، ووصولاً إلى الخلاف مع إدارة بايدن حول خفض حصص إنتاج النفط.
- خبير بالشرق الأوسط
ويحمل السفير الجديد في جعبته أكثر من 30 سنة من الخبرة في أروقة وزارة الخارجية، حيث ساعد على صياغة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وعمل في أكثر من دولة منها قطر والعراق ولبنان والمغرب، قبل أن يشغل منصب القائم بالأعمال في سفارة بلاده لدى إسرائيل، حيث عمل قنصلاً عاماً لمدة ثلاث سنوات حتى صيف عام 2015، عندما اختاره الرئيس باراك أوباما مبعوثاً خاصاً إلى سوريا.
وقاد راتني ابن مدينة بوسطن أثناء عمله "قنصلاً في القدس بعثة مكونة من 600 أميركي وإسرائيلي وفلسطيني، تولت مسؤولية بناء العلاقات السياسية والثقافية مع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وغزة".
وشغل الدبلوماسي المخضرم الذي يتقن العربية والفرنسية منصب عميد كلية دراسات اللغة في معهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية، كما يحمل درجة البكالوريوس من جامعة بوسطن، والماجستير من جامعة جورج واشنطن، وحصل على عديد من جوائز الأداء الصادرة عن وزارة الخارجية، بما في ذلك جائزة الخدمة الرئاسية الاستحقاقية.
وقبل تعيينه سفيراً لدى السعودية، تنقل راتني في مناصب قيادية متنوعة في الخارجية الأميركية، إذ عمل نائباً لمساعد الوزير لشؤون بلاد الشام والشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، وحتى عام 2012، شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية للإعلام الدولي، حيث أشرف على المكاتب الإعلامية الناطقة بلغات مختلفة.
- استعادة الثقة
وبعد ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس الأميركي إلى جدة التي أكد خلالها شراكة بلاده مع السعودية، عاد التوتر إلى علاقة البلدين في أعقاب قرارات "أوبك+" بخفض إنتاج النفط التي فاقمت الخلاف بين الرياض وإدارة بايدن الساعية إلى خفض أسعار الطاقة لإرضاء المستهلك الأميركي، وزيادة الضغط على روسيا من خلال تقليل عوائدها النفطية.
وتوعد بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الرياض بـ"عواقب" على خلفية إعلان "أوبك+" خفض الإنتاج ولم تكتف إدارته بالتعهد بمواجهة "سيطرة" المنظمة على سوق الطاقة بل صعدت من لهجتها ضد السعودية. وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إن الرئيس يعتزم "إعادة تقييم" العلاقات معها، تزامناً مع دعوات أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى وقف مبيعات الأسلحة.
في المقابل، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وقتها أن "قرار أوبك+ اقتصادي بحت وتم اتخاذه بإجماع الدول الأعضاء". وأشار إلى أن دول المجموعة "تصرفت بمسؤولية واتخذت القرار المناسب"، مؤكداً أن العلاقة مع واشنطن "استراتيجية وداعمة لأمن المنطقة".
وعلى رغم تهديدات بايدن آنذاك، فإن واشنطن لم تتخذ أي إجراءات ملموسة ضد السعودية، واكتفت بعدم إرسال ممثلين حكوميين لها إلى قمة استثمارية في الرياض. وبعد أسبوعين من الوعيد الأميركي، والتهديد بخفض التعاون العسكري، نشرت وزارة الدفاع السعودية، صوراً تظهر تمريناً مشتركاً أطلقت عليه "تمرين التعايش" بين القوات البرية السعودية ونظيرتها الأميركية بمركز عسكري في محافظة الخرج.
- بايدن وأزمة السفراء
إلى جانب السفير الجديد لدى السعودية، أمضى إريك غارسيتي مرشح بايدن لمنصب سفير الهند أكثر من عام ونصف العام بانتظار تأكيد الكونغرس، قبل اعتماد تعيينه، أمس الأربعاء. وكانت السعودية والهند من نحو 20 دولة لا يوجد فيها سفير أميركي، وهو فراغ حذر منه الخبراء، لما له من ضرر على العلاقات الثنائية، وتأثير سلبي على السياسة الخارجية.
بالطبع، لعب تحفظ بعض الأعضاء من الحزبين على ترشيحات بايدن في تأخير تعيين عدد من سفرائه، إلا أن الرئيس كان أيضاً بطيئاً في تسمية مرشحيه خلال عامه الأول وفق "فورين بوليسي". وبعد مرور عامين من ولايته، ما زالت بعض الدول بلا مرشحين يمكن لمجلس الشيوخ اعتماد تعيينهم.
ويسعى بعض المشرعين إلى تحسين عملية اعتماد السفراء وتسريعها لتجنب الإضرار بالمصالح الأميركية في الخارج، خصوصاً أن من ينوب عن السفراء الرسميين دبلوماسيون برتبة أدنى لا يملكون النفوذ والتأثير اللذين يتمتع به السفير بوصفه ممثلاً للرئيس الأميركي.
وظهر الفراغ الدبلوماسي الأميركي جلياً في الهند التي يسعى بايدن لأن تكون جزءاً من استراتيجيته لمقارعة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، إذ فشلت واشنطن لأكثر من عامين في تعيين سفير لها في نيودلهي، بعد أن واجه مرشح بايدن معارضة من الجمهوريين بسبب "فضائح" مرتبطة بفترة عمله عمدة لمدينة لوس أنجليس.
وقالت نيشا بيسوال، نائبة رئيس غرفة التجارة الأميركية ومساعد وزير الخارجية السابقة لشؤون جنوب ووسط آسيا، إن هذا التأخير "لربما أعاق التعاون بين البلدين". أضافت مشيرة إلى التعاون في مجال مكافحة التغير المناخي "أعتقد أننا لم نتمكن من تعزيز بعض هذه المبادرات بالقدر نفسه من الفعالية والسرعة فيما لو كان لدينا سفير في الميدان".