وصل الفساد كسلوك منحرف متعدد الأوجه والصور، وهو الابن الشرعي لسياسة الإفساد الشيطانية الخبيثة والمدمرة، إلى أعلى مستويات العبث الذي طال كل ميادين الحياة تقريبا، وأصبح منظومة شاملة متماسكة وقوية ومنظمة، وخطره يهدد وبقوة كل مفاصل حياة مجتمعنا، وسيقضي على ما تبقى من منظومة القيم الإنسانية والاجتماعية والوطنية الرفيعة التي عشناها في الجنوب.

 وهي المنظومة التي تعرضت للاستهداف والتدمير المباشرين من قبل نظام وعصابات صنعاء، بعد احتلالهم للجنوب عام 1994م، وكان ذلك هدفا من أهدافهم، بغية تدمير شبكة العلاقات في المجتمع الجنوبي، ولأهداف ليست بخافية على أحد، والتي كانت قائمة على العدل والمساواة، وعلى قواعد الأخلاق والشرف والنزاهة، ونبذ ومحاسبة أي سلوك مخالف لذلك، وكذلك الالتزام الصارم لأحكام القانون وللوائح والإجراءات العامة المنظمة لحقوق الناس، وواجباتهم في كل مناحي الحياة، المكفولة بدستور الدولة الجنوبية.

وما نشهده اليوم ونعيشه واقعا مخيفا ومؤلما، إنما هو نتاج لكل ذلك، ومن هذا المنطلق فإن معركتنا ضد الفساد وتجفيف منابعه ومحاسبة الفاسدين، وإبعادهم من مواقع القرار، وينبغي أن يكون ذلك جزءا لا يتجزأ من معركة الجنوب الوطنية القائمة، ففي ذلك ضمانة لصيانة المكاسب المحققة وتعظيمها بمزيد من النجاحات، وأي تهاون أو تأجيل لهذه المعركة لن يكون إلا بمثابة السماح باستمراره وتغلغله أكثر فأكثر، وسيعيق التقدم في بقية الجبهات، وسينعكس سلبا على مواقف الناس وقناعاتهم الوطنية، فالفاسد وفي أي مكان كان ومن أي موقع يتواجد فيه، لن يكون نموذجا لبث روح الأمل والاطمئنان في نفوسهم بشأن المستقبل الذي ينتظرونه، بل سيكون لهم عامل إحباط ويأس وعزوف عن تفاعلهم الإيجابي مع قضيتهم الوطنية.

إن من يتسابقون اليوم على الثراء السريع غير المشروع، ويتنافسون على جني المكاسب الشخصية، أو يستغلون ما تحت سلطتهم، وبأي مساحة كانت لصالحهم، ويخالفون قواعد العمل وأمانة المسؤولية، مهما رفعوا من شعارات الوفاء للجنوب ولقضيته، إنما هم بذلك يسيئون كثيرا لما يرفعونه من شعارات وطنية، ويضعون بذلك أنفسهم  ومواقفهم في خانة من يعرقلون تقدم مسيرة شعبهم نحو الحرية واستعادة الدولة.

 وهذا ما لا نريده لهم بكل تأكيد، فالإخلاص والاستعداد لتقديم التضحية في سبيل الجنوب وقضيته، أمر لا يستقيم مع سلوك الفساد وممارسته عمليا، وبصور شتى، حتى وإن تم تبريره بتعقيدات الظروف وحالة الحرب القائمة، أو غلف بخلاف ذلك من الحجج، فالفساد هو الفساد، والفاسد هو الفاسد حتى ولو رفع على رأسه تاج الأمانة، ووضع فوق صدره أوسمة الشرف والنزاهة.