> «الأيام» غرفة الأخبار:
لقد خلقت الحرب الأهلية في اليمن، التي تجاوزت الثماني سنوات، ما وصفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية من صنع البشر، فقد قُتل مئات آلاف اليمنيين وهُجِّرَ نحو أربعة ملايين شخص، وطبقا للأمم المتحدة، فإن 21.6 مليون نسمة في البلاد بحاجة لمساعدة إنسانية و 80 % من السكان يجدون صعوبة في الحصول على ما يكفي من الطعام، بالنظر إلى نطاق الكارثة، فربما لم يكن من المستغرب أن يبتهج المراقبون عندما صافح السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، قادة جماعة الحوثيين، في أبريل الماضي. بدا ذلك وكأنه اختراق في صراع مدمر لا نهاية له.
- حرب بالوكالة
لقد كان وضع حد لهذه الحرب المعقدة بالوكالة شبه مستحيل، ولذلك فإن محادثات أبريل كانت مصدر أمل كبير، لكن من شبه المؤكد أن الانسحاب السعودي من اليمن الذي يجري التفاوض عليه لن ينهي الحرب. بل إنه سيعيد البلاد إلى مرحلة سابقة من الصراع، عندما كان محليا في أصله قبل أن يفاقمه تدخل القوى الإقليمية، ما يوحِّد معظم الفصائل اليمنية هو أنها اكتسبت السلطة بوسائل قسرية. للأسف، فإن هذه الأطراف تنزع إلى النظر إلى مقترحات إجراء الحوار على أنها مجرد تحركات تكتيكية من قبل خصومها مصممة لتحقيق مكاسب عسكرية.
- سلام على مضض
يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أولئك الذين يسعون إلى حل سياسي للحرب في أن الأطراف نفسها لا يبدو أنها ترغب في تصور حل ما، بدلا من ذلك، فإن العديد منها ينزع إلى رؤية المقترحات الرامية إلى الحوار على أنها خدع مصلحية من قبل خصومهم. شهد اليمن عدة اتفاقات في حقبة ما قبل الحرب بين مجموعات محلية، لكن جميعها كانت تمهيدا لجولة جديدة من الصراع. وقد عمقت ثماني سنوات من الحرب الخصومات والانقسامات بين الأطراف اليمنية. لا يرى معظم المجموعات أن الصراع على وشك الوصول إلى نتيجة حاسمة ويعتقدون أن استمرار القتال ما يزال أفضل طريقة للحصول على ما يريدون.
ويمثل اقتصاد الحرب الناشئ، الذي عاد بالفائدة على معظم الأطراف والذي ستؤدي نهاية الحرب إلى تقليص مزاياه المالية، تحديا آخر. كثير من الفصائل التي ستكون مشاركتها مطلوبة من أجل تحقيق تسوية سياسية أصبحت معتادة على جمع الضرائب والأتاوات دون تقديم الخدمات، وسيكون اتفاق تفرض فيه الدولة السيطرة على مناطقها ضارًا ماليًا لها.
كما لا يعني انسحاب القوات الأجنبية من اليمن نهاية للتدخل الخارجي في الشؤون اليمنية، من المرجح جدا أن تتبنى السعودية مقاربة مماثلة إذا انسحبت رسميًا من الحرب، سترغب الرياض بالعمل من خلال وكلاء لضمان ما تتصور أنه مصالحها الأمنية، وإدارة التهديدات التي تتعرض لها المملكة، ومراقبة المجموعات المحلية التي تشكل الصراع والمشهد السياسي، ما يمكن أن تفعله هذه المجموعات قد لا يشكل هاجسا كبيرا للرياض، طالما أنها لا تشكل تهديدا للسعوديين، ولديها وسيلة تواصل جيدة لإيصال هواجسها إلى تلك المجموعات بفضل التحالف الذي شكلته مع شخصيات يمنية مهمة.
- حرب داخل الحرب
بالنظر إلى وجود هذه الديناميكيات المحلية، فحتى لو توصل السعوديون والحوثيون إلى تسوية، من المرجح أن يستمر الصراع في اليمن. في الواقع، إذا تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، يمكن أن يشهد اليمن تصعيداً للصراع بين المجموعات المحلية، مع غياب الجهات الفاعلة الإقليمية اسميا مع استمرارها في السعي لتحقيق أجنداتها السياسية والعسكرية من خلال الوكلاء المحليين.
لمعالجة الأبعاد المحلية للحرب، سيكون حوار يمني - يمني تحت رعاية الأمم المتحدة الصيغة الصحيحة، وينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية أن تستمر في الضغط من أجل ذلك. لكن إطلاق عملية ذات مصداقية يمكن أن يتطلب الكثير. إذ من المرجح أن يقوضه تدخل إقليمي مباشر وغير مباشر، إضافة إلى رفض الأطراف المتحاربة الاتفاقات والقرارات السابقة، ونزعتها إلى رفض عمليات شاملة. ثمة عدد أكبر مما ينبغي من الجهات الفاعلة المحلية التي قد تفتقر إلى الحوافز الكافية للانخراط بجدية في محادثات سياسية. وإذا انطلقت المحادثات دون تحضيرات كافية، فإنها يمكن أن تصبح تكراراً لمؤتمر الحوار الوطني الفاشل الذي عقد في عام 2013، والذي سرَّع انهياره من اندلاع الحرب.