> فريدة أحمد:
تشهد محافظات جنوب اليمن والمناطق الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دوليا في الشمال، انهيارًا اقتصاديًا واسعًا، الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على الوضع الخدماتي والمعيشي في تلك المناطق، وبالذات في العاصمة عدن مقر الحكومة الحالي، إذ وصل انهيار العملة مستويات قياسية، حيث بلغ سعر الدولار الواحد أمام الريال اليمني 1394 ريال وفقًا للبنك المركزي اليمني نفسه، فإلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي، ساهم قصف المنشآت والموانئ النفطية في محافظتي حضرموت وشبوة جنوب اليمن خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، إلى حرمان الحكومة اليمنية من مصدر إيراداتها الرئيسي من تصدير النفط، مما انعكس سلبًا على تعليق الصادرات من المحطات النفطية، ونتج عن ذلك تداعيات اقتصادية خطيرة وأزمة مالية حادة وغير مسبوقة، لا سيّما وأن الصادرات النفطية كانت تشكل 70 % من موارد الحكومة قبل الحرب، أمَّا أثناء الحرب فكانت مصدرًا أساسيًا لموارد الحكومة. هذا الأمر، أدى بصورة دراماتيكية إلى انهيار العملة المحلية خلال الأشهر التي لحقت الهجوم على الموانئ، لا سيّما في ظل تأخر الجهود الحكومية للحصول على الدعم الذي أعلنت عنه السعودية والإمارات للبنك المركزي عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022.
في واقع الحال، ملف النفط معقّد بشكل كبير، وهذه المسألة ليست مرتبطة بفترة الصراع الراهن، بل له علاقة بالبنية التحتية لقطاع النفط في اليمن بشكل عام، لا سيما منذ اكتشافه قبل نحو أربعة عقود. فعلى الرغم من امتلاك اليمن احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ حوالي 3 مليارات برميل، و17 تريليون من الغاز الطبيعي، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وبالذات محافظة حضرموت الأكبر مساحة والتي تحوي 80 % من احتياطي النفط، إلا أنّ جزءًا كبيرًا من إيرادات النفط ظل يذهب إلى جيوب أصحاب النفوذ بطرق قانونية وأخرى غير مشروعة، وازداد ذلك بدرجة كبيرة بعد 2015. مع ذلك، لا يمكن التعامل مع المسألة بهذه السطحية، بلا شك ساهم فساد الحكومات اليمنية المتعاقبة على تدهور القطاع النفطي منذ اكتشافه، غير أنّ مصادر قبلية محلية، ظلّت تتهم دولاً مجاورة بعرقلة كثير من الصفقات مع شركات أجنبية، كان من الممكن أن تفتح آفاقا كبيرة على اليمن في هذا الجانب.
بالنسبة للوضع الخدماتي والمعيشي، تدهورت الأوضاع بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وقد تحدثت مصادر محلية لمركز سوث24، أنّه على الرغم من الوضع الأمني المستقر نوعا ما في العاصمة عدن، غير أنّ الوضع الخدماتي والمعيشي بات أكثر سوءًا بعد الخروج الإماراتي في 2019 بصورة رسمية، إذ كانت أبوظبي تهتم بشكل كبير بجانب التموين الغذائي، وتموّل كثير من المشاريع في قطاعات الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، فضلًا عن انتظام مرتبات المدنيين والعسكريين، إلى جانب استقرار نسبي للعملة المحلية.
- تبادل اتهامات
في شهر يونيو الفائت، وجّه محافظ محافظة عدن "أحمد بن لملس"، بمنع توريد إيرادات محافظة عدن إلى البنك المركزي اليمني، ذلك جاء بعد تدهور خدمي في العاصمة عدن وبالذات في ملف الكهرباء، وحمّل الحكومة مسؤولية سوء الخدمات. في المقابل، ردت حكومة "معين عبدالملك"، بأن "المسألة ليست مجرد رمي المسؤولية فقط على الحكومة للتنصل عن الواجبات المفترض على الجميع القيام بها، خاصة مع المعرفة الكاملة للوضع الذي تعيشه المالية العامة للدولة". حتى اللحظة، مازالت الأطراف في الحكومة الشرعية تتبادل الاتهامات البينية، ويمكن مع ازدياد التدهور الاقتصادي، أن يؤثر ذلك على الأجور والمرتبات العامة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية الأشهر المقبلة في حال عدم إيجاد معالجات حقيقية، خاصة في ظل تناقص الاحتياطي الأجنبي من العملات وتوقف تصدير النفط.
- عقاب سياسي
لطالما شكّل ويشكّل الملف الاقتصادي أحد أدوات الضغط السياسي التي يمكن أن تستغلها بعض الأطراف الإقليمية والمحلية لتصفية حساباتها بشأن الأزمة اليمنية، إذ يعتقد كثير من الجنوبيين أن هناك تعمّد واضح لإغراق العاصمة عدن، مقر الحكومة المعترف بها دوليا ومقر سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي، في سيل من الأزمات اللامنتهية وتوظيف الملف سياسياً لأسباب عديدة منها، نقل العاصمة لمكان آخر أكثر استقراراً من الناحية الخدمية والمعيشية والنفوذ لقوى محلية أخرى. إضافة إلى أن هناك اعتقاد سائد لدى بعض القوى الشمالية النافذة، بأنّه لمجرد أن تتحسّن الأوضاع الخدمية والمعيشية في عدن ومناطق جنوب اليمن، سيكون الجنوب أقرب لمشروع الاستقلال.
- معالجات وحلول
يشكل ملف الخدمات وبالذات الكهرباء ركيزة أساسية للاقتصاد، وبسبب ضعف خدماته أعاق كثير من الإصلاحات الرئيسية في قطاعات أخرى مثل المياه والرعاية الصحية والتعليم وغيره. لذا، من المهم إيجاد حلول ومعالجات جادة لهذا الملف.
يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يقدم دراسة استراتيجية شاملة للحكومة، لحل أزمة المنظومة الكهربائية بشكل جذري في العاصمة عدن، ورفع التكاليف اللازمة بالمشروع ليتم اعتمادها من الجهات المعنية. فإذا كانت الحكومة تنفق ما يقارب الـ 60 مليون دولار لمدة شهر واحد فقط، من أجل حل أزمة الكهرباء بشكل مؤقت، بإمكان الانتقالي الجنوبي أن يدفع بهذا الاتجاه ويضغط على الحكومة من أجل تمويل تنفيذ مشروع الحل وتخفيف المعاناة التي يتجرعها المواطنون يومياً بشكل جذري، وإذا لم تستجب الحكومة لهذه المقترحات ستتحمّل المسؤولية وحدها أمام الشعب، خاصة وأن الحكومة والانتقالي يحاول كل منهما التنصّل من المسؤولية تجاه ملف الخدمات بتحميلها للآخر.
إذ ما تزال تسيطر على الانتقالي الجنوبي فكرة أن ملف الخدمات وبخاصة الكهرباء يُستخدم للابتزاز السياسي ضده، وهو ما يدفعه لتقديم تنازلات تجنباً للضغط الشعبي، الأمر الذي يجعله بالمقابل يسارع بنفي مسؤوليته عن التردي الخدماتي ويحمّله للحكومة وحدها، كما يحاول الانتقالي استغلال السخط الشعبي بسبب انهيار الخدمات، للالتفاف حوله ضد الحكومة، غير أنّ لعبة التراشق بالمسؤولية بين الطرفين زادت من تردي الأوضاع المعيشية والخدمية بصورة أكبر. لذا فإن إمكانية وضع الانتقالي الجنوبي لدراسات حل جذري وليس مؤقت لأزمة الكهرباء على الأقل وتقديمها للحكومة ستخلي مسؤوليته بالفعل، وتلقيها كاملة على الحكومة للتنفيذ وهذا سيسهم في تنامي شعبيته الجماهيرية، كما سينهي أي محاولة ابتزاز سياسي ضده في نهاية المطاف.
لقد كشفت تسع سنوات من الحرب الأخيرة في اليمن، أنّ مدينة عدن، التي كانت منطلقا لتحرير محافظات الجنوب وبعض المناطق في الشمال من سيطرة الحوثيين، قد تعرضت لخذلان كبير من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. ساهم هذا الخذلان في تقوية موقف الحوثيين على المستوى الشعبي في مناطق الشمال. وهذه الحقيقة المؤلمة لوحدها بحاجة لإعادة نظر إقليمية.
"سوث24 "