> صالح البيضاني:
الرسالة التي تلقفها الحوثيون من الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي والذي شهد خطابًا أكثر صرامة وتحديدًا لسبب مشكلة اليمن السياسية والاقتصادية الحالية تتلخص في كلمة من ستة أحرف هي: الحوثي.
راهن الحوثيون على عامل الوقت، واستمرأوا كما يبدو لعبة عض الأصابع وسد الأذنين، لانتزاع مكاسب إضافية من دون تقديم أي تنازل في المقابل للحكومة الشرعية التي ظلت طوال الشهور الماضية تقدم التنازل تلو الآخر، استجابة للضغوط الدولية، التي وصلت إلى نهايتها كما يبدو، بعد أن أدرك الوسطاء أو “الضاغطون”، بأنه مقابل كل تنازل يتم انتزاعه لصالح الحوثي تحت ذريعة جلبه إلى طاولة الحوار، تزداد الجماعة تعنتًا ويصبح السلام أبعد مما كان.
بدا ذلك التبرم الدولي جليًا خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي حول الملف اليمني والتي أجمعت معظم الكلمات التي ألقاها ممثلو الدول الأعضاء في المجلس، أن الحوثي بات الطرف اليمني الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الانسداد المزمن في أفق التسوية السياسية في الأزمة اليمنية، ويبوء وحده بذنب التدهور المستمر في الملف الاقتصادي والمعيشي، نتيجة الممارسات الأحادية وسياسة الحرب الاقتصادية التي صعّدت منها الجماعة منذ دخول الهدنة الأممية حيز التنفيذ.
بدا الحوثي خلال زيارة وفد الوساطة العماني الأخيرة إلى صنعاء أكثر ليونة، كما تشي بذلك التسريبات التي يتعمد مقربون من الجماعة بثها، والتي تتمحور حول انفتاح جزئي مرتقب في الملفين الاقتصادي والإنساني وفي مقدمة ذلك حل معضلة “الرواتب” التي تحولت إلى كابوس يوشك أن يصبح ثورة جياع حقيقية في مناطق سيطرة الجماعة التي عملت طوال السنوات الماضية على إغراق تلك المناطق بالجبايات من كل نوع، ما فاقم من حالة البؤس والمجاعة الصامتة التي تجتاح المدن الخاضعة لسلطتها.
رفض الحوثيون في أوقات سابقة التوصل إلى صيغة منطقية للتوافق حول آلية متوازنة لصرف المرتبات، تكون مقبولة من طرف الحكومة الشرعية التي تتعرض كذلك لضغط شعبي وخصوصًا من قبل الجنوبيين الذين يرفضون أي اتفاق يفضي إلى تقاسم ثروات المحافظات الجنوبية المحررة مع الحوثيين تحت أي مبرر وفي سياق أي تسوية، كما يطالب الحوثي ويتشبث في كل جولات الحوار.
لا يعبأ الحوثيون بمعاناة اليمنيين في مناطق سيطرتهم جراء توقف صرف رواتب الموظفين منذ الانقلاب، فسياسة الفقر والتجويع هي جزء أصيل من فلسفة الجماعة وعقيدتها السياسية والدينية لإخضاع اليمنيين وتطويعهم، حتى أن أحد أئمتهم السابقين وهو الإمام المتوكل على الله إسماعيل قال عندما ُطُلب منه تخفيف الجبايات على اليمنيين قولته المشهورة: "لن يحاسبني الله على ما أخذت منهم، ولكن على ما أبقيت في أيديهم".
يحاول الحوثيون دائمًا ربط ملف الرواتب بشروط تعجيزية، في كل جولة حوار، ومن ذلك اشتراطهم أن تصرف الرواتب عن طريقهم، من ريع النفط والغاز في المناطق الجنوبية، وهو ما يعني منح الجماعة شرعية جزئية باعتبار أن لها حقًا من نوع ما في ثروات الجنوب، وهو ما قد يتحول في مرحلة لاحقة إلى ذريعة جديدة لاستهداف الجنوب عسكريًا تحت لافتة استعادة الحقوق الاقتصادية المسلوبة أو المعطلة، التي حصلوا عليها عبر اتفاق إنساني، كما يزعمون.
وتبدو الليونة الحوثية إزاء جولة الوساطة الأخيرة مرتبطة بعوامل عديدة، محلية وإقليمية ودولية، بعد أن فشلت كل محاولات الجماعة خلال الفترة الماضية في إحياء سياسية التهديد التي بثتها بشكل منتظم على لسان قادة سياسيين وعسكريين في الجماعة، توعدوا الإقليم بعواقب وخيمة، في حال لم يسارع لتلبية شروطها التي وصفها الوسطاء بالتعجيزية.
فعلى الصعيد الداخلي أدرك الحوثيون أن رهانهم على سياسة التجويع، واستمرار تعطيل ملف الرواتب، مع تلاشي الذرائع التي كانوا يسوقونها شعبيًا، أمر يمكن أن يخرج في نهاية المطاف عن نطاق السيطرة ويجسد مقولة الإمام علي التي كان الحوثيون يرفعونها في شوارع صنعاء قبيل اجتياحها عسكريًا: "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه"!.
الأهم من ذلك على صلة بالترتيبات الإقليمية وارتهان القرار الحوثي للحرس الثوري وأجندة النظام الإيراني وخصوصًا أن زيارة الوفد العماني إلى صنعاء جاءت بالتزامن مع زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض، وأرادت طهران كما يبدو أن توجه رسالة باللغة الفارسية على لسان الحوثيين للإقليم بأنها قادرة على تقديم تنازلات مفيدة لصالح أمن المنطقة والعالم، في حال فتح المجتمع الإقليمي والدولي ذراعيه مجددًا لطهران التي تطمح لكسر حالة العزلة السياسية والاقتصادية التي عانت منها طوال السنوات الماضية.
"العرب"